للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنه، ومنعوا الهدى معكوفًا أن يبلغ محلّه، والسبب الذي لأجله كفوهم هو كفرهم بالله.

ثم أخبرهم بأنه لولا أن يقتلوا رجالًا مؤمنين، ونساء مؤمنات لا علم لهم بهم، فيلزمهم العار والإثم .. لأذن لهم في دخول مكة، ولقد كان الكف ومنع التعذيب عن أهل مكة؛ ليُدخل الله في دين الإِسلام من يشاء منهم بعد الصلح وقبل دخولها, وليمنعنّ الأذى عن المؤمنين منهم، ولو تفرّقوا وتمييّز بعضهم من بعض .. لعذبنا الذين كفروا منهم عذابًا أليما بالقتل والسبي، حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية، التي تمنع من الإذعان للحق، ولكن أنزل الله الثبات والوقار على رسوله، وعلى المؤمنين، فامتنعوا أن يبطشوا بهم، وألزمهم الوفاء بالعهد، وكانوا أحق بذلك من غيرهم، إذ اختارهم الله لدينه، وصحبة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -.

ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبيّة أنه يدخل المسجد الحرام، هو وأصحابه آمنين، منهم من يحلق، ومنهم من يقّصر، فأخبر ذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلون مكة عامهم هذا، فلمّا انصرفوا لم يدخلوا .. شق ذلك عليهم، وقال المنافقون: أين رؤياه التي رآها؟ فأنزل الله هذه الآية: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} ودخلوا في العام المقبل.

قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر (١) أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الإِسلام، ليعلي شأنه على سائر الأديان .. أردف هذا ببيان حال الرسول، والمرسل إليهم، فوصفهم بأوصاف كلها مدائح لهم، وذكرى لمن بعدهم، وبها سادوا الأمم، وامتلكوا الدول، وقبضوا على ناصية العالم أجمع، وهي:

١ - أنهم غلاظ على من خالف دينهم، وناوأهم العداء رحماء فيما بينهم.

٢ - أنهم جعلوا الصلاة والإخلاص لله ديدنهم في أكثر أوقاتهم.


(١) المراغي.