أبي عمرو:{الهدي} بكسر الدال، وتشديد الياء، وهم لغتان، وانتصاب {مَعْكُوفًا} على الحال من {الهدي}؛ أي: وصدّوا الهدي عن دخول الحوم، حال كونه محبوسًا عن {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}؛ أي: مكانه الذي يحلّ فيه نحوه؛ أي؛ يصح ويجب فيه نحوه، وهو الحرم، فالمحل: اسم للمكان الذي ينحر فيه الهدي، وقوله:{أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}: بدل اشتمال من {الْهَدْيَ} أو منصوب بنزع الخافض.
قال في "بحر العلوم": الحديبية: طرف الحرم على تسعة أميال من مكة، وروي: أنّ خيامه - صلى الله عليه وسلم - كانت في الحلّ، ومصلاه في الحرم، وهناك نحرت هداياه - صلى الله عليه وسلم -، وهي سبعون بدنة.
والمراد: صدّها عن محلّها المعهود الذي هو مني للحاج، وعند الصفا للمعتمر، وعند الشافعي لا يختص دم الإحصار بالحرم، فيجوز أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه.
والمعنى: أي هم الذين جحدوا توحيد الله، وصدّوكم أيّها المؤمنون بالله عن دخول المسجد الحرام، وصدّوا الهدي محبوسًا أن يبلغ محلّ نحوه، وهو الحرم عنادًا منهم وبغيًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساق معه حين خرج إلى مكة في سفرته تلك سبعين بدنة.
واعلم (١): أنه تعالى بيَّن استحقاق كفّار مكة للعقوبة بثلاثة أشياء: كفرهم في أنفسهم، وصدِّ المؤمنين عن إتمام عمرتهم، وصدّ هديهم عن بلوغ المحلّ، فهم مع هذه الأفعال القبيحة كانوا يستحقّون أن يقاتلوا أو يقتلوا، إلا أنه تعالى كفّ أيدي كل فريق عن صاحبه، محافظة على ما في مكة من المؤمنين المستضعفين ليخرجوا منها، أو يدخلوها على وجه لا يكون فيه إيذاء من فيها من المؤمنين والمؤمنات، كما قال تعالى:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ}؛ أي: لم تعرفوهم أيّها المؤمنون بأعيانهم؛ لاختلاطهم بالمشركين،