للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمد رسول الله.

{وَالَّذِينَ مَعَهُ}؛ أي: مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: هم أصحاب الحديبية، والأولى (١): العمل على العموم، وهو مبتدأ، خبره: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}؛ أي: غلاظ عليهم، كما يغلظ الأسد على فريسته، وهو جمع شديد. {رُحَمَاءُ}؛ أي: متعاطفون، جمع رحيم {بَيْنَهُمْ}؛ أي: فيما بينهم، كالوالد مع ولده؛ أي: متوادون متعاطفون فيما بينهم.

والمعنى: أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة، ولمن وافقهم في الدين الرأفة والرحمة، كقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} فلو اكتفى (٢) بقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} .. لربما أوهم الفظاظة والغلظة، فكمّل بقوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فيكون من أسلوب التكميل، وعن الحسن: بلغ من تشدّدهم على الكفار: أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمسّ أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم: أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صافحه وعانقه.

وقرأ ابن عامر في رواية (٣): {رَسُولُ اللَّهِ} بالنصب على المدح، وقرأ الجمهور: {أَشِدَّاءُ}، {رُحَمَاءُ} بالرفع على أنه خبر للموصول، وقرأ الحسن: بنصبهما على الحال، والعامل فيهما: العامل في {مَعَهُ} ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم {تَرَاهُمْ} وقيل: على المدح، وقرأ (٤) يحيى بن يعمر: {أَشِدَّا} بالقصر، وهي شاذّة؛ لأنّ قصر الممدود إنما يكون في الشعر، نحو قوله:

لَا بُدَّ مِنْ صَنْعَا وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ

{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} جمع راكع وساجد؛ أي: تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين، لمواظبتهم على الصلوات، فهما حالان؛ لأن الرؤية بصرية، وأريد بالفعل الاستمرار، والجملة: خبر آخر أو استئناف، وجملة قوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البحر المحيط.