مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}: إما خبر آخر، أو استئناف، مبنيّ على سؤال نشأ عن بيان مواظبتهم على الركوع والسجود، كأنه قيل: ماذا يريدون بذلك؟ فقيل:{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}؛ أي: ثوابًا من الله ورضى منه، وقال بعض الكبار: قصدهم في الطاعة والعبادة، الوصول والوصال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال الراغب: الرضوان: الرضا الكثير.
والمعنى: يطلبون ثواب الله لهم، ورضاه عنهم. وقرأ عمرو بن عبيد:{ورضوانا} بضم الراء.
{سِيمَاهُمْ} فعلى من سامه: إذا أعلمه؛ أي: جعله ذا علامة. وقرىء:{سيمياؤهم} بالياء بعد الميم والمد، وهما لغتان، وفيها لغة ثالثة هي: السيماء، وهو مبتدأ، خبره: قوله: {فِي وُجُوهِهِمْ}؛ أي: علامتهم التي تميزهم عن غيرهم ثابتة في وجوههم؛ أي: في جباههم حالة كون تلك السيماء كائنة {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} فالجار والمجرور: حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبر المبتدأ، وأثر الشيء: حصول ما يدلّ على وجوده. كما في "المفردات"؛ أي:(١) من التأثير الذي تؤثّر كثرة السجود في جباههم، وما روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُعْلِمُوا صُوركم"؛ أي: لا تسموها، إنما هو فيما إذا اعتمد بجبهته على الأرض ليحدث فيها تلك السمة، وذلك محض رياءٍ ونفاقٍ، والكلام هنا فيما حدث في جبهة السُّجَّاد الذين لا يسجدون إلا خالصًا لوجه الله تعالى؛ أي: تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة، وكثرة التعبّد بالليل والنهار، وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفرًّا، فجعل هذا هو السيما، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من كثر صلاته بالليل .. حسن وجهه بالنهار". ألا ترى أنَّ من سهر بالليل، وهو مشغول بالشراب واللعب .. لا يكون وجهه في النهار كوجه من سهر وهو مشغول بالطاعة، وقال الزهري: مواضع السجود أشد وجوههم بياضًا يوم القيامة.
وقرأ ابن هرمز:{إثْر} بكسر الهمزة وسكون الثاء، والجمهور: بفتحهما،