للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعجب زرّاعه الذين زرعوه؛ أي: يسرَّهم بقوته، وكثافته وغلظه، وحسن منظره، وطول قامته، وهنا (١) تمَّ المثل، وهو مثل ضربه الله لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلوا في بدء الإِسلام، ثم كثروا واستحكموا، فترقى أمرهم يومًا فيومًا، بحيث أعجب الناس أمرهم.

ثم ذكر سبحانه علّة تكثيره لأصحاب نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وتقويته لهم، فقال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} الغيظ: أشدّ الغضب، وهو علّة لما يعرب عنه الكلام من تشبيههم بالزرع في زكائه واستحكامه؛ أي: كثرهم الله سبحانه، وقوّاهم وجعلهم كالزرع في النماء والقوّة؛ ليغيظ ويغضب بهم مشركي مكة، وسائر كفّار العرب والعجم؛ أي: فعل بهم ذلك؛ ليكونوا غيظًا للكافرين، ومما يغيظ الكفار قول عمر رضي الله عنه لأهل مكة بعدما أسلم: لا نعبد الله سرًّا بعد اليوم.

وقيل: قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}: علّة لما بعده من قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فرائضها وسننها، و {من}، في قوله: {مِنْهُمْ}؛ أي: من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، للبيان؛ أي: لبيان الجنس كلّهم، كما في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} فلا حجَّة فيه للطاعنين في الأصحاب؛ وإن كلّهم مؤمنون، وقيل: الضمير للكفار فمن للتبعيض. {مَغْفِرَةً} لذنوبهم {وَأَجْرًا عَظِيمًا} وثوابًا جزيلًا؛ أي: وعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين مع محمد - صلى الله عليه وسلم -، أن يغفر ذنوبهم، ويجزل أجرهم، بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة، وأعظم منّة؛ ليغيظ بهم الكفار، فإنّ الكفار (٢) إذا سمعوا بما أعدّ للمؤمنين في الآخرة، مع ما لهم في الدنيا من العزّة .. غاظهم ذلك أشدّ الغيظ، والأول: أولى.

يقول الفقير: نظر الكفار مقصور على ما في الدنيا مما يتنافس فيه ويتحاسد، وكيف لا يغيظهم ما أعدّ للمؤمنين في الآخرة وليسوا بمؤمنين باليوم الآخر؟!


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.