ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ}؛ لأنّ المعرّة والعرّ، حقيقة في الجرب الذي يعرّ البدن؛ أي: يعترضه. فاستعير للمضرّة على طريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: البلاغات المعنوية في قوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ} الآية. قال الإِمام الرازي: ففي هذه الآية لطائف معنوية: وهو أنّه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، باين بين الفاعلين، إذ فاعل {جَعَلَ} هو الكافر، وفاعل {أَنْزَلَ} هو الله تعالى، وبين المفعولين، إذ تلك حميّة وهذه سكينة، وبين الإضافتين أضاف الحميّة إلى الجاهلية، وأضاف السكينة إلى الله تعالى، وبين الفعل {جَعَلَ} و {أَنْزَلَ} فالحميّة مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى، والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها، والحميّة قبيحة مذمومة في نفسها، وازدادت قبحًا بالإضافة إلى الجاهلية، والسكينة حسنة في نفسها، وازدادت حسنًا بإضافتها إلى الله تعالى، والعطف في {فأنزل} بـ {الفاء} لا بالواو: يدلّ على المقابلة، تقول: أكرمني زيد فأكرمته، فدلّت على المجازاة للمقابلة، ولذلك جعل {فَأَنْزَلَ}.
ولمّا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أجاب أوّلًا إلى الصلح، وكان المؤمنون عازمين على القتال، وأن لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح. مكة أو النحر في المنحر، وأبوا إلا أن يكتبوا: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وباسم الله .. قال الله تعالى:{عَلَى رَسُولِهِ} ولمّا سكن هو - صلى الله عليه وسلم - للصلح .. سكن المؤمنون، فقال:{وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ولمّا كان المؤمنون عند الله تعالى .. ألزموا تلك الكلمة قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفيه تلخيص، وهو كلام حسن.
ومنها: أسلوب التكميل في قوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؛ لأنّه لو اكتفى بقوله:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} لربّما أوهم الفظاظة والغلظة فيما بينهم، فكمّل بقوله:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} رفعًا لذلك الوهم، فيكون من أسلوب التكميل.