لأنّه تقرير لقوله:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}. وفيه أيضًا: مزيد تجهيل وتوبيخ لهم، حيث كانوا يجتهدون في ستر أحوالهم وإخفائها.
ومنها: في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ...} الآية. فن سماه صاحب "الصناعتين" الاستدراك، وغيره يسميه الاستثناء، هو يتضمن ضربًا من المحاسن زائدًا على ما يدل عليه المدلول اللغويّ، فإن الكلام لو اقتصر فيه على ما دون الاستدراك .. لكان منفّرا لهم؛ لأنّهم ظنّوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقادهما إيمانًا، فأوجبت البلاغة تبيين الإيمان, فاستدرك ما استدركه من الكلام، ليعلم أنّ الإيمان موافقة القلب للسان، ولأنّ انفراد اللسان بذلك يسمّى إسلامًا لا إيمانًا، وزاده إيضاحًا بقوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}. وبعضهم يدخل هذا النوع في نطاق فنّ يقال له: جمع المختلفة والمؤتلفة، فإنّهم ظنّوا أنّ الإيمان العمل باللسان ودن العمل بالجنان، فجاء قوله تعالى:{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} مؤتلفًا لقولهم: {آمَنَّا} وهم يعتقدون أنّ الإيمان مجرد الإقرار باللسان، وخالف ذلك قوله تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} وائتلف به قوله مبيّنًا حقيقة الإيمان, وأنه خلاف ما ظنّوا:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) فرغت من تفسير هذه السورة الكريمة، تمام الساعة الرابعة من يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر الربيع الأول المبارك، من شهور سنة ألف وأربع مئة وخمس عشرة سنة، من سني الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات، ٢٥/ ٣/ ١٤١٥ وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين، آمين يا ربّ العالمين آمين.