للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سبحانه ندًّا وشريكًا.

قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر أنَّ هؤلاء المشركين في قول مختلف، مضطرب، لا يلتئم بعضه مع بعض، فبينما هم يقولون: خالق السموات والأرض هو الله، إذا هم يعبدون الأصنام والأوثان، وطورًا يقولون: محمد ساحر، وطورا آخر يقولون: هو كاهن، إلى نحو ذلك .. قفى على ذلك، بأن ذكر أنَّ قومه ليسوا بدعًا في الأمم. فكما كذَّبت قريش نبيها فعلت الأمم التي كذبت رملها، فأحل الله بهم نقصته، كقوم نوح، وعاد، وثمود. ثم عجيب من حالهم، وقال: أتواصى بعضهم مع بعض بذلك!؟ ثم قال: لا بل هم قوم طغاة، متعدون حدود الله تعالى، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون بنهجه. ثم أمر رسوله أن يعرض عن جدلهم ومرائهم. فإنه قد بلغ ما أمر به، ولم يقصر فيه فلا يلام على ذلك، وأن يذكر من تنفعه الذكرى، ولديه استعداد لقبول الإرشاد والهداية.

ثم أردف هذا أن ذكر أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليأمرهم، ويكلفهم بعبادته، لا لاحتياجه إليهم في تحصيل رزق، ولا إحضار طعام. فالله هو الرزّاق ذو القوّة. ثم ختم السورة بتهديد أهل مكة، بأنه سيصيبهم من العذاب مثل ما أصاب من قبلهم من الأمم السالفة. فأولى لهم أن لا يستعجلوه بقولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. فقد حقت عليهم كلمة ربك في اليوم الذي يوعدون، وسيقع عليهم من العذاب ما لا مرد له، ولا يجدون له دافعًا.

أسباب النزول

قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} سبب نزول هاتين الآيتين (١): ما أخرجه ابن منيع، وابن راهويه، والهيثم بن كليب بأسانيدهم من طريق مجاهد عن عليّ قال: لمَّا نزلت: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)} لم يبق منا أحد إلا أيقن بالهلكة إذ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتولى منّا، فنزلت: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)}، فطابت أنفسنا.


(١) لباب النقول.