إلى العد اللفظي، ولم يعنوا بالنظر إلي الترتيب المعنوي، ومن ثم تجد جزءًا قد انتهى، وبدىء بآخر بأثناء القصّة كما هنا.
فبعد أن بشر الملائكة إبراهيم عليه السلام بالغلام، سألهم ما شأنكم، وما الذي جئتم لأجله؟ قالوا: إنا أرسلنا إلي قوم لوط لنهلكهم بحجارة من سجيل، بها علامةٌ تدل على أنها أعدّت لأهلاكهم. ثم نأمر من كان فيها من المؤمنين بالخروج، من القرية حتى لا يلحقهم العذاب الذي سيصيب الباقين، وسنترك فيها علامةً تدل على ما أصابهم من الرجز، جزاء فسوقهم، وخروجهم من طاعة ربهم.
قوله تعالى: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر (١) ما كان من قوم لوط من الفسوق والعصيان، وما أصابهم من الهلاك جزاءً وفاقًا لما اجترحوا من السيئات، تسليةً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما يرى من قومه .. عطف على ذلك قصص جمع آخرين من الأنبياء لقوا من أقوامهم من الشدائد مثل ما لقي هذا الرسول الكريم.
فحقت على أقوامهم كلمة ربّهم، ونزل بهم عذاب الاستئصال، وصاروا كأمس الدابر عبرة ومثلًا للآخرين. فذكر أنه أرسل موسي إلي فرعون بشيرًا ونذيرًا، فأبى، واستكبر، واعتزّ بقوّته وجنده، وقال: أنا ربكم الأعلى، فأغرق هو وقومه في البحر. وأرسل هودًا إلى عادٍ، فكذَّبوه، فأهلكهم بريح صرصرٍ عاتية. وأرسل صالحًا إلى ثمود، فكذّبوه، فأخذتهم الصاعقة، ولم تبق منهم أحدًا. وبعث نوحًا إلى قومه، فلم يستجيبوا لدعوته، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما أثبت الحشر، وأقام الأدلة على أنه كائن لا محالة، أرشد إلى وحدانية الله، وعظيم قدرته .. فبيّن أنه خلق السماء بغير عمد، وبسط الأرض ودحاها لتصلح لسكنى الإنسان والحيوان , وخلق من كل نوع من أنواع الحيوان، زوجين ذكرًا وأنثى، ليستمرّ بقاء الأنواع إلي أن يشاء الله سبحانه فناء هذا العالم. ثمّ أمرهم أن يعتصموا بحبل الله، وأنذرهم شديد عقابه، وحذّرهم أن يجعلوا مع الله