للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية. وقيل: هي الخطرة من الذنب؛ أي: ما خطره من الذنب على القلب بلا عزم. وقيل: كل ذنب لم يذكر الله عليه حدًّا ولا عذابًا. وقال بعضهم: اللمم والإلمام: ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له عادة، ولا إقامة عليه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: إلا أن يلم بالفاحشة مرة، ثم يتوب ولم يثبت عليها. فإن الله يقبل توبته. ويؤيده تمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول أمية (١):

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا

أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وبه قال مجاهد؛ والحسن، والزهري، وغيرهم.

واختار هذا القول الزجاج والنحاس. فالاستثناء على هذا متصل. والراجح الأول. واللمم: مأخوذ من قولهم: ألممت بكذا؛ أي: نزلت به وقاربته من غير مواقعة. قال الأزهري: العرب تستعمل الإلمام في معنى الدنو والقرب.

وجملة قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} وكثيرها، تعليل لما تضمنه الاستثناء؛ أي: إنّ ذلك، وإن خرج عن حكم المؤاخذة، فليس يخلو عن كونه ذنبًا يفتقر إلى مغفرة الله، ويحتاج إلى رحمته، بل لسعة المغفرة الربانية. وقيل معناه: إنّه سبحانه يغفر لمن تاب عن ذنبه فيغفر ما يشاء من الذنوب بعد التوبة الصادقة، والندم على ما فرط من مرتكبها، إذا أخبت لربه، وتجافى عن ذنبه. ومثله قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)}.

ثم ذكر سبحانه إحاطة علمه بأحوال عباده، فقال: {هُوَ} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ} منكم {بِكُمْ}؛ أي: بأحوالكم يعلمها {إِذْ أَنْشَأَكُمْ}؛ أي: خلقكم في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام {مِنَ الْأَرْضِ} إنشاء إجماليًا. وقيل: المراد: آدم. فإنه خلقه من طين {و} هو سبحانه أعلم بأحوالكم {إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ}، أي: وقت كونكم أجنة {في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} على أطوار مختلفة مترتبة، لا يخفى عليه حال من


(١) نفى الأمام ابن حجر في "فتح الباري" نسبة هذا البيت وغيره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم يقل الشعر، وإنما ثبت تمثله أقوال الشعراء، كقول أمية هذا، وكقول ليد:
ألا كل شيءٌ ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل