أحوالكم، وعمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لولا المغفرة الواسعة لأصابكم وباله، وضرره. والأجنّة: جمع جنين مثل؛ أسرَّة وسرير، وسيأتي بسط الكلام فيه في مبحث اللغة والصرف.
والفاء في قوله:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} لترتيب (١) النهي عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم، ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب، بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم، أي: إذا كان الأمر كذلك .. فلا تثنوا على أنفسكم بالطهارة من المعصية بالكلية، أو بما يستلزمها من زكاء العمل، ونماه الخير، ولا تمدحوها بحسن الأعمال، ولا تبرئوها عن الآثام. فإن ترك تزكية النفس أبعد من الرياء، وأقرب إلى الخشوع. بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته.
وقال الحسن رحمه الله تعالى: علم الله من كل نفس ما هي صانعة، إلى ما هي صائرة، فلا تزكوا أنفسكم، ولا تطهروها من الآثام، ولا تمدوحها بحسن الأعمال. لأن كل واحد من التخلية والتحلية إنما يعتد به إذا كان خالصًا لله تعالى، وإذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأيُّ حاجة إلى التزكية.
وأما من زكاه الغير، ومدحه فقد ورد فيه "احثوا في وجه المداحين - أي: الذين يمدحون بما ليس في الممدوح - التراب" على حقيقته، أو مجاز عن ردهم عن المدح، لئلا يغتر الممدوح فيتجبر. وقيل: المراد به: أن لا يعطوهم شيئًا لمدحهم. أو معناه: الأمر بدفع المال إليهم لينقطع لسانهم، ولا يشتغلوا بالهجو، وفيه إشارة إلى أن المال حقير في الواقع كالتراب.
قال أبو الليث في "تفسيره": المدح على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يمدحه في وجهه، فهو الذي نهى عنه.
والثاني: أن يمدحه في غير حضرته، ويعلم أنه يبلغه فهذا أيضًا منهي عنه.
والثالث: مدح يمدحه في حال غيبته، وهو لا يبالي بلغه أم لم يبلغه، ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا، انتهى. وأمَّا المدح بعد الموت فلا بأس إذا لم يجاوز الحد، كالروافض في مدح أهل البيت.