وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الجناس المغاير في قوله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} فالأول {هَوَى} بمعنى خر وسقط، والثاني بمعنى هوى النفس.
ومنها: إيراده - صلى الله عليه وسلم - بعنوان صاحبيته لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله، وإحاطتهم خبرًا ببراءته - صلى الله عليه وسلم - مما نفي عنه بالكلية، وباتصافه بغاية الهدى والرشاد. فإن طول صحبتهم له، ومشاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتمًا، كما في "الإرشاد".
ومنها: عطف الخاص الذي هو الغواية: وهو الخطأ في الاعتقاد فقط على الضلال الذي هو العام. لأنه خطأ في الاعتقاد، والأقوال، والأفعال، والأخلاق في قوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)}.
ومنها: الإتيان بصيغة الماضي أولًا في قوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)} وبصيغة المستقبل ثانيًا في قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} بيانًا لحاله قبل البعثة وبعدها؛ أي: ما ضلَّ وما غوى حين اعتزلكم، وما تعبدون قبل أن يبعث رسولًا، وما ينطق عن الهوى الآن، حين يتلو عليكم آيات ربه، قاله ابن الشيخ. وقال صاحب الروح: والظاهر: أن صيغة الماضي باعتبار قولهم: قد ضل وغوى إشارة إلى تحقق ذلك في زعمهم. وأمَّا صيغة المضارع، فباعتبار تجدد النطق في كل حال، والله أعلم بكل حال.