للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضرر عنه. وظاهر الآية (١): يدل على أنه لا ينفع أحدًا عمل أحد. وهذا العموم مخصوص بمثل قوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد، ومشروعية دعاء الأحياء للأموات، ونحو ذلك. ولم يصب من قال: إنَّ هذه الآية منسوخة بمئل هذه الأمور. فإن الخاص لا ينسخ العام، بل يخصصه. فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به، وهو من غير سعيه كان مخصصًا لما في هذه الآية من العموم.

وقال الربيع بن أنس (٢): {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} يعني: الكافر. وأما المؤمن فله ما سعى، وما سعى له غيره. وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول. وفي "فتح الرحمن": واختلف الأئمة فيما يفعل من القرب: كالصلاة، والصوم، وقراءة القرآن، والصدقة، ويهدى ثوابه للميت المسلم. فقال أبو حنيفة وأحمد: يصل ذلك إليه، ويحصل له نفعه بكرم الله ورحمته. وقال مالك، والشافعي: يجوز ذلك في الصدقة، والعبادة المالية، وفي الحجّ. وأما غير ذلك كالصلاة، والصوم، وقراءة القرآن، وغيره فلا يجوز، ويكون ثوابه لفاعله. وعند المعتزلة: ليس للإنسان جعل ثواب عمله مطلقًا لغيره، ولا يصل إليه، ولا ينفعه لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِثإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)}، ولأن الثواب هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلًا عن غيره.

ومعنى الآية (٣): أي كما لا يحمل على الإنسان وزر غيره لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب لنفسه. ومن هذا استنبط مالك، والشافعي، ومن تبعهما: أن القراءة لا يصح إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنّه ليس من عملهم ولا كسبهم، وهكذا جميع العبادات البدنية كالصلاة، والصوم، والتلاوة. ومن ثم لم يندب إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، ولا حثهم عليها، ولا أرشدهم إليها بنصٍّ، ولا إيماءٍ، ولم ينقل من أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. أما الصدقة فإنها تقبل.

وما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.