ذمة الإنسان من ديون الخلق إذا قضاها عنه قاض، كما قال الشافعي: إذا أنا من فليغسلني فلان؛ أي: من الدين. وذلك انتفاع بعمل الغير. وكذا من عليه تبعات ومظالم، إذا حلل منها سقطت عنه. وأن الجار الصالح ينتفع بجواره في الحياة والممات، كما جاء في الأثر: وأن جليس أهل الذكر يرحم بهم، وهو لم يكن منهم، ولم يجلس معهم لذلك، بل لحاجة أخرى. والأعمال بالنيات، وكذا الصلاة على الميت، والدعاء له فيها ينتفع بها الميت مع أن جميع ذلك انتفاع بعمل الغير. ونظائر ذلك كثيرة لا تحصى. والآيات الدالة على مضاعفة الثواب كثيرة أيضًا، فلا بد من توجيه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)}. فإنه لاشتماله على النفي والاستثناء، يدل على أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمل نفسه، ولا يجزى على عمله إلا بقدر سعيه، ولا يزداد. وهو يخالف الأقوال الواردة في انتفاعه بعمل غيره، وفي مضاعفة ثواب أعماله. ولا يصح أن يؤول بما يخالف صريح الكتاب، والسنة، وإجماع الأمّة.
فأجابوا عنه بوجوه:
منها: أنه في حق الكافر. والمعنى عليه: ليس له من الخير إلا ما عمل هو، فيثاب عليه في الدنيا، بأن يوسع عليه في رزقه، ويعافى في بدنه، حتى لا يبقى له في الآخرة حسنة يثاب عليها.
ومنها: أنه بالنسبة إلى العدل، لا الفضل.
ومنها: أن الإنسان إنما ينتفع بعمل غيره؛ إذا نوى الغير أن يعمل له، حيث صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعًا، فكان سعي الغير بذلك كأنه سعيه. وأيضًا أن سعي الغير إنما لم ينفعه إذا لم يوجد له سعي قط, فإذا وجد له سعي بأن يكون مؤمنًا صالحًا كان سعي الغير تابعًا لسعيه، فكأنه سعي بنفسه. فإن علقة الإيمان وصلة وقرابة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
والحاصل: أنه لما كان مناط منفعة كل ما ذكر من الفوائد عمله الذي هو الإيمان, والعمل الصالح، ولم يكن شيء منه نفع ما بدونهما جعل النافع نفس عمله، وإن كان بانضمام غيره إليه.