أوجبت البلاغة تأكيد فعل الجعل فيه باللام، بإسناده لزارعه على الحقيقة، ومنشئه لرفع هذا التوهم، ولما كان إنزال المطر من السماء محالًا بما لا يتطرق احتمال توهم متوهم أن أحدًا من جميع الخلق قادر عليه لم يحتج إلى تأكيد الفعل في جعله أجاجًا. فإنه لا يمكن أن يتوهم أحد أن أحدًا ينزل المطر من السماء أجاجًا، ولا عذبًا الذي هو أسهل من الأول، وأهون.
ومنها: فن التسهيم في هذه الآيات أيضًا. وهو وأن يكون ما تقدم من الكلام دليلًا على ما تأخر منه أو بالعكس فقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣)} إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)} يقتضي أوائل هذه الآيات أواخرها اقتضاء لفظيًّا ومعنويًا. كما ائتلفت الألفاظ فيها بمعانيها المجاورة ائتلاف الملائم بالملائم، والمناسب بالمناسب؛ لأن ذكر الحرث يلائم ذكر الزرع، وذكر كونه سبحانه لم يجعله حطامًا ملائم لحصول التفكه به، وعلى هذه الآية يقاس نظم أختها.
ومنها: زيادة لفظ {اسم} في قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)}، وزيادة {لا} في قوله: {فَلَا أُقْسِمُ} تأكيدًا للكلام.
ومنها: الاعتراض بالجملة الاسمية بين القسم والمقسم عليه في قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)}.
ومنها: الاعتراض بين الصفة والموصوف في قوله: {لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} حيث استعار الكرم ممن يقوم به الكرم من ذوي العقول للقران بجامع كثرة النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في صلاح المعاش والمعاد.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١)}.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ}؛ أي: شكر رزقكم.
ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)} كأنما الروح شيء مجسم يبلغ الحلقوم في حركة محسوسة.