بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة، كذا قال جماعة من المفسرين، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية، إلا أحد أمرين: إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة، أو الإمساك لها واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها. قال سبحانه:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}؛ أي: فإمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف؛ أي: بما هو معروف في الشرع من أداء حقوق النكاح، وحسن المعاشرة. {أَوْ تَسْرِيحٌ}؛ أي: أو إرسال لها بإيقاع طلقة ثالثة عليها {بِإِحْسَانٍ}؛ أي؛ من غير إضرار لها؛ بأن يؤدي إليها جميع حقوقها المالية، ولا يذكرها بسوء بعد المفارقة، ولا ينفر الناس عنها.
وقيل المراد:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}؛ أي: برجعة بعد الطلقة الثانية {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}؛ أي: بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها، والأول أظهر، وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثًا أو واحدة فقط؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وذهب إلى الثاني من عداهم؛ وهو الحق. انتهى. من "الشوكاني".
فائدة: قال الفخر الرازي: الحكمة في إثبات حق الرجعة: أن الإنسان ما دام مع صاحبه لا يدري: هل تشق عليه المفارقة أو لا؟ فإذا فارقه .. فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجعة .. لعظمت المشقة على الإنسان؛ إذ قد تظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة .. أثبت تعالى حق المراجعة مرتين، وهذا يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده.
فوائد تتعلق بأحكام الطلاق
الأولى: صريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاث: الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فقط.
الثانية: الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها .. فله مراجعتها من غير رضاها ما دامت في العدة، فإذا لم يراجعها حتى انقضت