للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذا قال أبو عبيدة. وال الكسائي، وحذاق البصرة: الدَّولة - بالفتح - في المُلك - بضم الميم -؛ لأنها الفِعْلة في الدهر، وبالضم في الملك بكسرِ الميمِ. والضمير في {تكون} بالتأنيث مع نصب {دولةً} على معنى {مَا} إذ المراد به: الأموال، والمغانم. وذلك الضمير اسم {تكون}. وكذلك من قرأ بالياء أعاد الضمير على لفظ؛ {مَّا} أي: يكون الفيء، وانتصب {دُولَة} على الخبر. ومن رفع {دولةٌ} فتكون تامة، و {دولةٌ} فاعل؛ و {كَيْ لَا يَكُونَ} تعليل لقوله: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}. أي: فالفيء وحكمه لله وللرسول، يقسمه على ما أمره الله تعالى؛ كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء بلغة يعيشون بها متداولًا بين الأغنياء يتكاثرون به. أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم، كما كان رؤساؤهم يستأثرون بالغنائم، ويقولون: من عزّ بزّ.

والمعنى: كي لا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية، قاله أبو حيان. وعبارة "الخازن": وذلك أن الجاهلة كانوا إذا غنموا غنيمة، أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع، ثم يصطفي بعد المرباع منها ما شاء، فجعله الله سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يقسمه على ما أمره الله به. اهـ.

والمعنى (١): أي وإنما حكمنا بذلك وجعلناه مقسمًا بين هؤلاء المذكورين لئلا يأخذه الأغنياء ويتداولوه فيما بينهم ويتكاثرون به، كما كان ذلك دأبهم في الجاهلية، ولا يصيب الفقراء من ذلك شيء.

ثم لما بيّن لهم سبحانه مصارف هذا المال. أمرهم بالاقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ}؛ أي: وما، أعطاكم - أيها المؤمنون - الرسولُ من أموال الفيء وغيره {فَخُذُوهُ} منه؛ فهو لكم حلال {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ}؛ أي: عن أخذه {فَانْتَهُوا} عنه؛ أي: فابتعدوا عنه، ولا تطلبوه، ولا تقربوه، فإن الرسول لا ينطق عن الهوى، كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.

وقال ابن جريج (٢): ما آتاكم من طاعتي .. فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي .. فاجتنبوه.


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.