ولو بإذن منكم، فإن الإذن بالخروج في حكم الإخراج ولا أثر لاتفاقهما على الانتقال؛ لأن وجوب ملازمة مسكن الفراق حق الله تعالى ولا يسقط بإسقاط العبد، كما قال في "الكشاف": فإن قلت: ما معنى الإخراج وخروجهن؟
قلت: معنى الإخراج أي: لا يخرجهن البعولة غضبًا عليهن وكراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن، وأن لا يأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك، إيذانًا بأن إذنهم لا أثر له في دفع الحظر، ولا يخرجن بأنفسهم إن أردن ذلك، انتهى. وقيل: المراد: لا يخرجن بأنفسهن إلا إذا أذن لهن الأزواج فلا بأس، والأول أولى.
فإن خرجت المعتدة لغير ضرورة أو حاجة .. أثمت، فإن وقعت ضرورة؛ بأن خافت هدمًا أو حرقًا .. لها أن تخرج إلى منزل آخر، وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن فيجوز لها الخروج نهارًا لا ليلًا، فإن خرجت ليلًا .. أثمت.
{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}؛ أي: بالزنا، فيخرجن لإقامة الحد عليهن ثم يعدن. قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفاحشة هنا: الزنا، وقال الشافعي وغيره: هي البذاء في اللسان والاستطالة بها. على من هو ساكن معها في ذلك البيت، ويؤيد هذا ما قال عكرمة: إن في مصحف أبيّ: {إلا أن يفحشن عليكم} وقال بعضهم: {مُبَيِّنَةٍ} هنا بالكسر لازم؛ بمعنى: بيّن متبينة، كمبين من الإبانة؛ بمعنى: بين. والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال، وهو الزنا في هذا المقام، وقيل: البذاء - بالمد -. وهو: القول القبيح وإطالة اللسان، فإنه في حكم النشوز في إسقاط حقهن. فالمعنى: إلا أن يبذون عن الأزواج وأقاربهم، كالأب والأخ، فيحل حينئذٍ إخراجهن. وعن ابن عباس: هو كل معصية.
وهو استثناء من الأول: لا تخرجوهن في حال من الأحوال، إلا حال كونهن آتيات بفاحشة، أو من الثاني للمبالغة في النهي عن الخروج ببيان أن خروجها فاحشة. أي: لا يخرجن إلا إذا ارتكبن الفاحشة بالخروج. يعني: أن من خرجت .. أتت بفاحشة، كما يقال: لا تكذب إلا أن تكون فاسقًا، يعني: إن تكذب .. تكن فاسقًا.