{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} في تطويل العدة عليهن والإضرار بهن بإيقاع طلاق ثان بعد الرجعة، فالأمر بالتقوى متعلق بما قبله. والتقوى في الأصل (١): اتخاذ الوقاية، وهي ما يقي الإنسان مما يكرهه ويؤمل أن يحفظه ويحول بينه وبين ذلك المكروه؛ كالترس ونحوه، ثم استعير في الشرع لاتخاذ ما يقي العبد بوعد الله ولطفه من قهره، ويكون سببًا لنجاته من المضار الدائمة وحياته بالمنافع القائمة، وللتقوى فضائل كثيرة ومراتب عديدة.
والمعنى: أي واخشوا الله ربكم ومالككم، فلا تعصوه فيما أمركم به من الطلاق لعدتهن وفي القيام بما للمعتدات من الحقوق، وفي وصفه تعالى بالربوبية مبالغة في وجوب الامتثال لأمره لما في لفظ الرب من التربية التي هي الإنعام والإكرام على ضروب لا حصر لها.
ثم بيّن بعض هذه الحقوق فقال:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ}؛ أي: لا تخرجوا أيها الأزواج المعتدات {مِنْ بُيُوتِهِنَّ}؛ أي: من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة؛ أي: لا تخرجوهن من مساكنكم عند الفراق إلى أن تنقضي عدتهن. وإنما أضيفت إليهن مع أنها لأزواجهن لتأكيد النهي ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها أملاكهن، مثل قوله:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} وقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. وفي ذكر البيوت دون الدار إشارة إلى أن اللازم على الزوج في سكناهن ما تحصل المعيشة فيه؛ لأن الدار ما يشتمل على البيوت.
والمعنى: أي لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تساكنونهن، فيها قبل الطلاق غضبًا عليهن أو كراهة لمساكنتهن أو لحاجة لكم إلى المساكن؛ لأن تلك السكنى حق الله تعالى، أوجبه للزوجات، فليس لكم أن تتعدوه إلا لضرورة؛ كانهدام المنزل، أو الحريق، أو السيل، أو خوف الفتنة في الدين.
ثم لما نهى الله سبحانه الأزواج عن إخراجهن من البيوت التي وقع الطلاق فيها .. نهى الزوجات عن الخروج أيضًا، فقال:{وَلَا يَخْرُجْنَ} المعتدات من بيوتهن