بملائكته ليتمكّنوا من أداء رسالته، ويحفظوا ما ينزله إليهم من الوحي، ليعلم أن قد أبلغوا الرسالات، والمراد ليعلم الله ذلك منهم علم وقوع في الخارج، كما جاء نحو هذا في قوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١)}.
وعبارة "الروح": قوله: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا ...} الخ، متعلق بـ {يَسْلُكُ}، غاية له من حيث إنّه مترتّب على الإبلاغ المترتّب عليه؛ إذ المراد به العلم المتعلق بالإبلاغ الموجود بالفعل. و {أن} مخفّفة من الثقيلة، واسمها الذي هو ضمير الشأن محذوف، والجملة خبرها. والإبلاغ: الإيصال. و {رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} عبارة عن الغيب الذي أريد إظهار المرتضى عليه، والجمع باعتبار تعدد أفراده. وضمير {أَبْلَغُوا} إما للرصد فالمعنى: أنه تعالى يسلكهم من جميع جوانب المرتضى؛ ليعلم الله أن الشأن قد أبلغوه رسالات ربهم سالمة عن الاختطاف والتخليط علمًا مستتبعًا للجزاء، وهو أن يعلمه موجودًا حاصلًا بالفعل كما في قوله تعالى:{حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ}. والغاية في الحقيقة هو الإبلاغ، وإيراد علمه تعالى لإبراز اعتنائه تعالى بأمر الإبلاغ، وللإشعار بترتيب الجزاء عليه والمبالغة في الحثّ عليه والتحذير عن التفريط فيه. وإما لمن ارتضى، والجمع باعتبار معنى {من} كما أنّ الإفراد في الضميرين السابقين باعتبار لفظها، فالمعنى عليه: ليعلم الله أنه قد أبلغ الرسل الموحى إليهم رسالات ربهم إلى أممهم كما هي من غير اختطاف، ولا تخليط بعدما أبلغها الرصد إليهم كذلك.
وجملة قوله:{و} قد {أَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ}؛ أي: بما عند الرصد أو بما عند الرسل، حال من فاعل {يَسْلُكُ} بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور في محله، جيء بها لتحقيق استغنائه تعالى؛ أي: وقد أحاط بما لديهم من الأحوال جميعًا. وقوله:{وَأَحْصَى} معطوف على أحاط؛ أي: وعلم علمًا بالغًا إلى حدّ الإحصاء تفصيلًا. {كُلَّ شَيْءٍ} مما كان وما سيكون {عَدَدًا}؛ أي: فردًا فردًا، فكيف لا يحيط بما لديهم؟. قال القاسم: هو أوجدها فأحصاها عددًا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق لم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذرّ والخردل. وقوله:{عَدَدًا} تمييز محوّل عن المفعول به كقوله: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}. والأصل: أحصى عدد كل شيء، وفائدته بيان أن علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه كلّيّ إجمالي، بل على وجه جزئيّ تفصيليّ، فإن الإحصاء