للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد يراد به الإحاطة الإجمالية كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}؛ أي: لا تقدروا على حصرها إجمالًا فضلًا عن التفصيل؛ وذلك لأن أصل الإحصاء، أنَّ الحاسب إذا بلغ عقدًا معيّنًا من عقود الأعداد كالعشرة والمئة والألف وضع حصاة ليحفظ بها كمية ذلك العقد فيبني على ذلك حسابه.

وهذه الآية مما يستدلّ به على أن المعدوم ليس بشيء، لأنّه لو كان شيئًا .. لكانت الأشياء غير متناهية، وكونه أحصى عددها يقتضي كونها متناهيةً؛ لأن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي، فيلزم الجمع بين كونها متناهية وغير متناهية، وذلك محال، فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض والتنافي، كذا في "حواشي" ابن الشيخ رحمه الله.

والمعنى (١): أي وهو سبحانه قد أحاط علمًا بما عند الرصد من الملائكة، وأحصى ما كان، وما سيكون فردًا فردًا، فهو عالم بجميع الأشياء منفرد بذلك على أتمّ وجه، فلا يشاركه في ذلك الملائكة الذين هم وسائط العلم.

والخلاصة: أنّ الرسول المرتضى يعلِّمه بوساطة الملائكة بعض الغيوب مما له تعلق برسالته، وهو سبحانه محيط علما بجميع أحوال أولئك الوسائط، وعالم بجميع الأشياء على وجه تفصيلي، فأين علم الوسائط من علمه تعالى؟.

وقرأ الجمهور (٢): {لِيَعْلَمَ} بفتح الياء مبنيًّا للفاعل. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، ويعقوب، وزيد بن علي بضمّها مبنيًّا للمفعول. وقرأ الزهري وابن أبي عبلة بضمّ الياء وكسر اللام؛ أي: ليعلم الله من شاء أن يعلمه أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم. وقرأ الجمهور {رِسَالَاتِ} على الجمع، وأبو حيوة على الإفراد. وقرأ الجمهور {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} مبنيَّا للفاعل، وكذا {أحصى} مبنيًّا للفاعل؛ أي: الله، {كُلَّ شَيْءٍ} بالنصب. وقر ابن أبي عبلة {وأحيط} {وأحصي} مبنيًّا للمفعول، {كلُّ شيء} بالرفع.

والمعنى: وأحاط بما عند الرسل من الحكم والشرائع، لا يفوته منها شيء، وأحصى كلّ شيء عددًا، أي: معدودًا محصورًا، وانتصابه على الحال من {كُلَّ شَيْءٍ}،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.