ثم أتى بجملة معترضة بين الأمر بالقيام وتعليله الآتي، ليبين سهولة ما كلفه من القيام، فقال:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ}؛ أي: سنوحي إليك. وإيثار الإلقاء عليه لقوله تعالى:{قَوْلًا ثَقِيلًا} بانطوائه على التكاليف الشاقّة، وهو القرآن العظيم المنطوي على تكاليف شاقّة ثقيلة على المكلّفين، وأيضًا إنّ القرآن قديم غير مخلوق، والحادث يذوب تحت سطوة القديم إلّا من كان مؤيّدًا كالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه الجملة اعتراض بين الأمر وهو {قُمِ اللَّيْلَ}، وبين تعليله وهو {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} إلخ، لتسهيل ما كلفه - صلى الله عليه وسلم - من القيام. يعني: أنّ في توصيف ما سيلقي عليه بالثقل إيماءً إلى أنَّ ثقل هذا التكليف بالنسبة إليه كالعدم، فإذا كان ما سيكلف أصعب وأشقّ، فقد سهل هذا التكليف.
وفي "الكشاف": أراد بهذا الاعتراض أنً ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الصعبة التي ورد بها القرآن؛ لأن الليل وقت السبات والراحة والهدوء فلا بد لمن أحياه من مضادّة لطبعه ومجاهدة لنفسه، فمن استأنس بهذا التكليف لا يثقل عليه أمثاله.
والمعنى: أي إنا سننزل عليك القرآن، وفيه الأمور الشاقة عليك وعلى أتباعك من أوامر ونواه، فلا تبال بهذه المشقّة، وامْرُنْ عليها لما بعدها. وقال الحسن بن الفضل: ثقيلًا لا يحمله إلا قلب مؤيَّدٌ بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد. وقال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة. وفي "فتح الرحمن": وصف القرآن بالثقل لثقله بنزول الوحي على نبيه حتى كان يعرف في اليوم الثاني أو لثقل العمل بما فيه أو لثقله في الميزان أو لثقله على المنافقين.
وقد يكون (١) المراد أنّه ثقيل في الوحي، فقد جاء في حديث البخاري ومسلم:"إنّ الوحي كان يأتيه - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، وهذا أشدّه عليه، فيفصم عنه - يفارقه - وقد وعى ما قال، وأحيانًا يتمثّل له الملك رجلًا، فيكلّمه فيعي ما يقول، وان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقًا" يجري عرقه كما يجري الدم من الفاصد.