للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حقائقها، ويحصي بذلك دون غيره، وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء: لا يفوته علم ما تفعلون؛ أي: إنه يعلم مقادير الليل والنهار، فيعلم القدر الذي تقومونه من الليل.

والمعنى: لا يقدر على تقديرهما ومعرفة مقادير ساعاتهما وأوقاتهما أحد أصلًا، فإن تقديم الاسم الجليل مبتدأ وبناء {يُقَدِّرُ} عليه موجب للاختصاص قطعًا. قال الراغب: التقدير: تبيين كميّة الشيء. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ} إلخ. إشارة إلى (١) ما أجرى من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل. أي: إدخال هذا في هذا إلخ. وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما، وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم.

والحاصل: أن العالم بمقادير ساعات الليل والنهار على حقائقها هو الله، وأنثم تعلمون بالتحري والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ، فربما يقع منكم الخطأ في إصابتها، فتقومون أقل من المقادير المذكورة. ولذا قال: {عَلِمَ} الله سبحانه {أَنْ} أي: أن الشأن {لَنْ تُحْصُوهُ}؛ أي: لن تقدروا على تقدير الأوقات على حقائقها، ولن تستطيعوا ضبط الساعات أبدًا. فالضمير (٢) عائد على المصدر المفهوم من {يُقَدِّرُ}؛ أي: علم أنّه لا يمكنكم إحصاء مقدار كل واحد من أجزاء الليل والنهار على الحقيقة، ولا يمكنكم تحصيل تلك المقادير على سبيل الظن إلا مع المشقة التامة. واحتج بعضهم بهذه الآية على وقوع التلكيف بما لا يطاق، فإنه تعالى قال: {لَنْ تُحْصُوهُ}؛ أي: لن تطيقوه، ثم إنه كلفهم بتقدير الساعات والقيام فيها حيث قال. {قُمِ اللَّيْلَ ...} إلخ. ويمكن أن يجاب عنه: بأنّ المراد صعوبته لا أنهم لا يقدرون عليه أصلًا، كما يقال: لا أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النظر إليه.

أي (٣): علم أنه لن تطيقوا قيامه على هذه المقادير؛ إلا بشدة ومشقة، وفي ذلك حرج. {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: فخفف عليكم، وأسقط عنكم فرض قيام الليل. {فَاقْرَءُوا}؛ أي: فصلوا {مَا تَيَسَّرَ} لكم {مِنَ الْقُرْآنِ}؛ أي: من صلاة الليل؛ أي: فصلوا ما تيسر وسهل عليكم من صلاة الليل غير مقدرة بكونها في ثلث الليل أو نحوه، ولو قدر حلب شاة، فهذا إنما يكون أربع ركعات وقد يكون ركعتين. عبّر


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.