للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن (١) الصلاة بالقراءة كما عبّر عنها بسائر أركانها على طريق إطلاق اسم الجزء على الكل مجازًا مرسلًا، فتبين أن التهجد كان واجبًا على التخيير المذكور، فعسر عليهم القيام به فنسخ بهذه الآية، ثم نسخ نفس الوجوب المفهوم منها بالصلوات الخمس. وقيل: إنه نسخ في حق الأمة وبقي فرضًا في حقه - صلى الله عليه وسلم -. والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وفي حق الأمة. وفيه تفضيل صلاة الليل على سائر التطوعات، فإن التطوع بما كان فرضًا في وقت ثمّ نسخ أفضل من التطوّع بما لم يكن فرضًا أصلًا، كما قالوا: صوم يوم عاشوراء أفضل لكونه فرضًا قبل فرضيّة رمضان. وفي الحديث: "فليصلّ أحدكم من الليل، فإذا غلب عليه النوم فليرقد".

ومعنى قوله: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ...} إلخ؛ أي: (٢) ولا يعلم مقادير الليل والنهار إلّا الله، وأما أنتم .. فلن تستطيعوا ضبط الأوقات ولا إحصاء الساعات، فتاب عليكم بالترخيص في ترك القيام المقدّر، وعفا عنكم ورفع هذه المشقّة. قال مقاتل وغيره: لمّا نزلت: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} إلخ، شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه؟ فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطىء، فانتفخت أقدامهم وامتقعت ألوانهم، فرحمهم الله، وخفف عنهم فقال تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}.

والخلاصة: الله يعلم أنكم لن تحصوا ساعات الليل إحصاء تامًّا، فإذا زدتم على المفروض .. ثقل ذلك عليكم وكلفتم ما ليس بفرض، وإن نقصتم .. شق هذا عليكم. فتاب عليكم، ورجع بكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر، وطلب إليكم أن تصلوا ما تيسر بالليل، كما أشار إلى ذلك بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}؛ أي: فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل. قال الحسن: هو ما يقرأ في صلاة المغرب والعشاء. وقال السدّي: ما تيسّر منه هو مئة آية. وفي بعض الآثار: من قرأ مئة آية في ليلة .. لم يحاجّه القرآن. وعن قيس بن حازم قال: صليت خلف ابن عباس فقرأ في أول ركعة بالحمد لله رب العالمين، وأول آية من البقرة، ثم ركع، فلما انصرفنا أقبل علينا فقال: إنّ الله يقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنهُ}، أخرجه


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.