للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدارقطني، والبيهقي في "سننه".

ثم ذكر أعذارًا أخرى تسوغ هذا التخفيف، فقال: {عَلِمَ} الله سبحانه {أَن} أي: أنّ الشأن {سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} استئناف مبيّن لحكمة أخرى داعية إلى الترخيص والتخفيف؛ أي: علم الله سبحانه أنّه سيوجد منكم مرضى لا يستطيعون الصلاة بالليل {وَآخَرُونَ} عطف على {مَرْضَى}؛ أي: وسيوجد منكم أقوام آخرون {يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يسافرون في نواحي الأرض وأرجائها للتجارة حال كونهم {يَبْتَغُونَ}؛ أي: يطلبون في سفرهم {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ورزقه. وهو الربح ما يحتاجون إليه في معاشهم، فلا يطيقون قيام الليل. وفيه (١) تصريح بما علم التزامًا، وبيان أن ما حصلوه من الرزق من فضل الله. ومحل {يَبْتَغُونَ} النصب على أنه حال من {يَضْرِبُونَ}. وقد عمّ ابتغاء الفضل تحصيل العلم، فإنه من أفضل المكاسب، وفيه أن معلم الخير وهو رسول لله - صلى الله عليه وسلم - كان حاضرًا عندهم وقت نزول الآية، فأين يذهبون؟ إلا أن يجعل آخر السورة مدنيًّا، فقد كانوا يهاجرون من مكة إلى المدينة لطلب العلم، وأيضًا إنَّ هذا بالنسبة إلى خصوص الخطاب. وأمّا بالنسبة إلى أهل القرن الثاني، ومن بعدهم فبقاء الحكم بلا نسخ يوقعهم في الحرج. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: أنّه قال: حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة، وأفضل من شهود ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض. قيل: ومن قراءة القرآن؟ قيل: وهل تنفع قراءة القرآن بلا علم؟.

{وَ} علم أن سيوجد أقوام {آخَرُونَ} منكم عطف على {مَرْضَى} أيضًا {يُقَاتِلُونَ} الأعداء {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ويجاهدونهم لإعلاء كلمة الله، فلا يطيقون قيام اللّيل. وسبيل الله هو ما يوصل إلى الأجر عند الله كالجهاد. وفيه تنبيه على أنه سيؤذن لهم في القتال مع الأعداء.

والمعنى (٢): أي علم سبحانه أنه سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار لا يستطيعون معها القيام بالليل كمرض وضرب في الأرض ابتغاء الرزق من فضل الله، وغزو في سبيل لله، فهؤلاء إذا لم يناموا في الليل تتوالى عليهم أسباب المشقّة، ويظهر عليهم آثار الجهد. وفي هذا إيماء إلى أنّه لا فرق بين الجهاد في قتال العدوّ


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.