للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخلاصة: أنّ مثل هذا الإضلال يضل من يشاء إضلاله لسوء استعداده وتدسيته نفسه، وتوجيهها إلى سيّء الأعمال واجتراح السيئات حين مشاهدة الآيات الناطقة بالهدى، ويهدي من يشاء لتوجيه اختياره إلى الحسن من الأعمال وتزكيته نفسه، كلما لاح له سبيل الهدى. وقيل المعنى: كذلك يضلّ الله عن الجنة من يشاء، ويهدي إليها من يشاء.

{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} يا محمد؛ أي: جموع خلقه التي من جملتها الملائكة المذكررون. والجنود (١): جمع جند بالضمّ، وهو العسكر، وكل مجتمع، وكل صنف من الخلق على حدة. وفي الحديث: "إنّ لله جنودًا منها العسل". {إِلَّا هُوَ} سبحانه وتعالى لفرط كثرتها. وفي حديث موسى عليه السلام: "أنه سأل ربه عن عدد أهل السماء؟ فقال تعالى: اثنا عشر سبطًا عدد كل سبط عدد التراب". وفي "الأسرار المحمدية": ليس في العالم موضع بيت ولا زاوية إلا وهو معمور بما لا يعلمه إلا الله، والدليل على ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتستر في الخلوة، وأن لا يجامع الرجل امرأته عريانين. وفيه إشارة إلى أنَّ لله في اختيار عدد الزباينة حكمةً، وإلا فجنوده خارجة عن داثرة العدّ والضبط. قال الفاشاني: وما يعلم عدد الجنود وكمّيتها وكيفيتها وحقيقتها إلا هو لإحاطة علمه بالماهيّات وأحوالها.

والمعنى: وما يعلم عدد خلقه ومقدار جموعه من الملائكة وغيرهم إلا هو وحده لا يقدر على علم ذلك أحد. وقال عطاء: يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدّتهم إلا الله. والمعنى: أن خزنة النار، وإن كانوا تسعة عشر فلهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه. وهذا رد على استهزائهم يكون الخزنة تسعة عشر جهلًا منهم وجه الحكمة في ذلك.

ثم رجع سبحانه إلى ذكر سقر، فقال: {وَمَا هِيَ}؛ أي: وما سقر، وما ذكر معها من عدد خزنتها {إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}؛ أي: إلا تذكرة وموعظة وإنذارًا للبشر والإنس بسوء عاقبة الكفر والضلال. وتخصيص (٢) الإنس مع أنها تذكرة للجن أيضًا؛ لأنهم هم الأصل في القصد بالتذكرة. أو المعنى: وما عدة الخزنة إلا تذكرة لهم ليتذكروا، ويعلموا أن الله سبحانه قادر على أن يعذب الكثير غير المحصور من


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.