قلت: اللام ليست على حقيقتها بل للعاقبة، فلا إشكال. {مَاذَا} مجموع الكلمتين، اسم استفهام، فـ {ذا} ملغاة؛ أي: أي شيء {أَرَادَ اللَّهُ} سبحانه. وهذا الاسم المركب مفعول مقدم؛ أي: أي شيء أراد الله {بِهَذَا} العدد القليل {مَثَلًا} حال من هذا؛ أي: أي شيء أراد الله بهذا العدد القليل المستغرب حال كونه مشابهًا للمثل في غرابته، ويصح أن تكون {ما} مبتدأ، و {ذا} موصولًا خبره، و {أَرَادَ اللَّهُ} صلة الموصول، و {مَثَلًا} تمييز لهذا؛ أي: ما الذي أراده الله سبحانه بهذا العدد القليل، من جهة كونه مثلًا؛ أي: شبيهًا بالمثل في غرابته. فإطلاق المثل على هذا العدد على سبيل الاستعارة، حيث شبهوه بالمثل المضروب، وهو القول السائر في الغرابة، حيث لم يكن عقدًا تامًّا كعشرين أو ثلاثين. والاستفهام لإنكار أنّه من عند الله بناءً على أنّه لو كان من عنده تعالى لما جاء ناقصًا. وإفراد قولهم هذا بالتعليل مع كونه من باب فتنتهم للإشعار باستقلاله في الشناعة.
والمعنى (١): أي وليقول الذين في قلوبهم شك في صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقاطعون بكذبه: ما الذي أراد الله بهذا العدد القليل المستغرب استغراب المثل؟.
ثم بين أن الاختلاف في الدين سنة من سنن الله تعالى، فقال:{كَذلِكَ}؛ أي: كما أضل الله سبحانه هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين عن عدّة خزنة جهنم: أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر حتى يخوفنا بعدتهم {يُضِلُّ اللَّهُ} سبحانه من خلقه {مَنْ يَشَاءُ} إضلاله، فيخذله عن إصابة الحق. {و} كما هدى الله سبحانه المؤمنين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أهل الكتاب إلى هذا المثل {يهدي} من عباده {مَنْ يَشَاءُ} هدايته، فيوفقه لإصابة الصواب.
واسم الإشارة إلى ما تقدم ذكره، وهو قوله:{وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}. والكاف نعت لمصدر محذوف، والمعنى: يضل الله من خلقه من يشاء إضلاله إضلالًا كائنًا كإضلال هؤلاء المنكرين لخزنة جهنم وعددهم من أبي جهل وأصحابه، ويهدي من خلقه من يشاء هدايته هداية كائنة كهداية المصدّقين لخزنة جهنم، وعددهم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأهل الكتاب.