المراد بالمرء: الكافر؛ لقوله:{إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ}، فيكون الكافر ظاهرًا وضع موضع المضمر؛ لزيادة الذم؛ أي: يا قوم، فالمنادى محذوف، ويجوز أن تكون {يا} لمحض التحسر، ولمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه، والمراد بالكافر: الجنس العام. {كُنْتُ تُرَابًا} في الدنيا، فلم أخلق، ولم أكلف، وهو في محل رفع على أنه خبر {ليت}، أو ليتني كنت ترابًا في هذا اليوم، فلم أبعث؛ لما يرى مما قد أعده الله له من أنواع العذاب، كقوله:{لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} إلى قوله: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧)}، وقيل: يحشر الله الحيوان، فيقتص للجمّاء من القرناء نطحتها؛ أي: قصاص المقابلة، لا قصاص التكليف، ثم يرده ترابًا، فيود الكافر حاله، ما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء". وهذا صريح في حشر البهاثم، واعادتها لقصاص المقابلة، لا للجزاء ثوابًا وعقابًا.
وقيل: الكافر إبليس يرى آدم وولده وثوابهم، فتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، وقيل: ترابًا؛ أي: متواضعًا لطاعة الله تعالى، لا جبارًا ولا متكبرًا، وقيل: المراد بالكافر: أبو جهل، وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي. قال مقاتل: نزل قوله تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقوله:{وَيَقُولُ الْكَافِرُ} في أخيه الأسد بن عبد الأسد. وقيل: أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، والأول أولى اعتبارًا بعموم اللفظ، ولا ينافيه خصوص السبب، كما تقدم غير مرة. وقرأ الجمهور:{الْمَرْءُ} بفتح الميم، وابن أبي إسحاق بضمها، وضعفها أبو حاتم، ولا ينبغي أن تضعف؛ لأنها لغة قوم يتبعون حركة الميم لحركة الهمزة، فيقولون: مرؤ ومرأ ومرىء، على حسب الإعراب، وأما مؤمنو الجن .. فلهم ثواب وعقاب، فلا يعودون ترابًا، وهو الأصح، فيكون مؤمنوهم مع مؤمني الإنس في الجنة، أو في الأعراف، ونعيمهم ما يناسب مقامهم، ويكون كفارهم مع كفار الإنس في النار، وعذابهم بما يلائم شأنهم.
ومعنى الآية: أي هذا العذاب القريب يوم ينظر المرء ما صنعه في حياته الأولى من الأعمال، فإن كان قد آمن بربه، وعمل عمل الأبرار .. فطوبى له وحسن مآب، وإن كان قد كذب به وبرسوله .. فله الويل وأليم العذاب، ويقول الكافر من شدة ما يلقى، ومن هول ما يرى:{لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} يريد: ليتني لم أكن من