للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوصل مجرى الوقف، وهذا استشهاد (١) على ما ذُكر من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت، وتقرير له؛ كما أن ما بعده وهو قوله: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} استشهاد على ولاية الله للمؤمنين، وتقرير لها. وإنما بدأ بهذا؛ لرعاية الاقتران بينه وبين مدلوله، ولأن فيما بعده تعدد، أو تفصيلًا. والذي حاج إبراهيم عليه السلام هو: نمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلام، وهو أول من وضع التاج على رأسه، وتجبر في الأرض، وادَّعى الربوبية، ملك زمانه، وصاحب النار والعوضة، وكان ابن زنا، وهو أول من صَلَب، وقطع الأيدي والأرجل. {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}؛ أي: طغى، وادَّعى الربوبية، فحاج إبراهيم عليه السلام؛ لأنْ أعطاه الله الملك؛ أي: إنَّ إِيتَاءَ المُلْك له حَمَلَه على البطر، وأورثه الكِبْر والعتو، فحاج لذلك. وقال الزمخشري (٢): فإن قلتَ: كيف جاز أن يؤتي الله المُلْك الكافرَ؟

قلتُ: فيه قولان: آتاه ما غلب به وتسلط، من المال والخدم والاتباع، وأما التغليب والتسليط: فلا، وقيل: مَلَّكه امتحانًا لعباده. انتهى.

وقال مجاهد (٣): مَلَك الأرض أربعة؛ مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان: فسليمان بن داود، وذو القرنين. وأما الكافران: فنُمروذ، وبختنصرُ. واختلفوا في وقت هذه المحاجة.

فقيل: لما كَسَر إبراهيم الأصنام سجنه نمروذ، ثم أخرجه ليحرقه فقال له: مَنْ ربك الذي تدعونا إليه؟ قال إبراهيم: الذي يحيي ويميت. وقيل: كان هذا بعد إلقائه في النار، وخروجه منها سالمًا. وذلك أن الناس قحطوا على عهد نمروذ، وكان الناس يمتارون من عنده، فكان إذا أتاه الرجل في طلب الطعام .. سأله: مَن ربك؟ فإن قال: أنت، باع منه الطعام. فأتاه إبراهيم، فقال له: مَنْ


(١) الجمل.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.