للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ربك؟ فقال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت؛ كما ذكره تعالى بقوله: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} بفتح ياء ربي. وقرأ حمزة بسكونها، وقرىء شذوذًا بحذفا. و {إِذْ} ظرف لـ {حَاجَّ}؛ أي: ربي هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر، ويحيه ويميته؛ كأنه قال: ربي الذي يحيي ويميت، هو متصرف فيك وفي أشباهك، بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك، من هذين الوصفين العظيمين المشاهدين للعالم، اللذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء، ولا طب الأطباء، وفيه إشارة أيضًا إلى المبدأ والمعاد. واختار إبراهيم من آيات الله الإحياء والإماتة؛ لأنهما أبدع آيات الله، وأشدها وأدلها على تمكُّن القدرة. {قَالَ} نمروذ اللعين {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} قرَأَ جمهورُ القُرَّاء (١): {أَنَا أُحْيِي} بطرح الألفِ التي بعد النون من {أَنَا} في الوصل، وأثبتها نافع وابن أبي أويس. أراد (٢) إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد الكافر أنه يقدر أن يعفو عن القتل، فيكون ذلك إحياءً، وعلى أن يقتل، فيكون ذلك إماتة. فكان هذا جوابًا أحمق، لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم؛ لأنه أراد غير ما أراده الكافر. فلو قال له: ربُّهُ الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، فهل تقدر على ذلك؟ لبهت الذي كفر بادئ بدء، وفي أول وهلة، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسًا لخناقه وإرسالًا لعنان المناظرة. {قَالَ إِبْرَاهِيمُ} له ائتني ببيان ذلك، فدعا نمروذ برجلين من السِّجْنِ، فقتل أحدهما، وترك الآخر، قال: هذا بيان ذلك. قال إبراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ}، أي: يطلعها كل يوم من المشرق {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}؛ أي: فأطلعْها ولو يومًا واحدًا من المغرب إنْ كنت صادقًا فيما تدعيه من الربوبية، قال له ذلك؛ لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة، ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة. وكانوا أهل تنجيم (٣). وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم. والحركة


(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) نسفي.