قد تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها قريبًا، ثم إنه سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزه اسمه عن كل ما لا يليق به، واسم الله ما يعرف به، والله إنما يعرف بصفاته من كونه عالمًا قادرًا حكيمًا خالقًا، فالله يأمرنا بتسبيح هذا الاسم؛ أي: تنزيهه عن أن نصفه بما لا يليق من شبه المخلوقات، أو ظهوره في واحد منها بعينه، أو اتخاذه شريكًا أو ولدًا له، فلا تتجه عقولنا إليه إلا بأنه خالق المخلوقات، وهو الذي أوجدها وسواها، وأنه هو الذي أخرج المرعى، ثم جعله جافًا حتى لفظه السيل بجانب الوادي.
قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر رسوله بتسبيح اسمه، وعلم أمته المأمورة بأمر الله له كيف يمكنها أن تعرف الاسم الذي تسبحه على نحو ما ذكرنا, ولا يكمل ذلك إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن، فكان هذا مدعاة إلى شدة حرصه - صلى الله عليه وسلم - على حفظه .. وعده بأنه سيقرئه من كتابه ما فيه تنزيهه، وتبيين ما أوجب أن يعرف من صفاته، وأحكام شرائعه، كما وعده بأن ما يقرئه إياه لا ينساه.
قوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما وعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك الفضل العظيم، وهو حفظ القرآن، وعدم نسيانه .. أمره بتذكير عباده بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتنبيههم من غفلاتهم،