أي: كم قدر الزمان الذي مكثت فيه هنا ميتًا قبل أن أبعثك من مكانك حيًّا؟ {قال} عزير {لَبِثْتُ يَوْمًا} واحدًا؛ وذلك أن الله تعالى أماته ضحىً في أول النهار، وأحياه بعد مئة سنة في آخر النهار قبل أن تغيب الشمس، فقال: لبثت يومًا، وهو يرى أن الشمس قد غابت، ثم التفت في أي بقية من الشمس، فقال:{أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}؛ أي: بل لبثت بعض يوم، وظن أن الشمس شمسُ يوم إِماتته {قَالَ} الله تعالى له بواسطة الملك {بَلْ لَبِثْتَ}؛ أي: مكثت ميتًا هنا {مِائَةَ عَامٍ}. و {بَل} هذه عاطفة لهذه الجملة على جملة محذوفة تقديرها: قال ما لبثت هذه المدة، بل لبثت مئة عام. وقرأَ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار التاء في لبثتَ، وهو أَحْسَنُ لِبُعْدِ مخرج الثاءِ من مخرجِ التاءِ، قاله الشوكاني ولعلهم رأوه أسهل؛ لأن كلا القراءتين متواتر؛ فلا تفاضل بينهما. وقرَأَ الباقون بإدغام الثاءِ في التاء لِتقارُبِهما في المخرجِ.
{فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ} أَيْ التِّين والعِنبِ الذي كان معه قبلَ موته، {وَشَرَابِكَ}؛ أي: العصيرِ {لَمْ يَتَسَنَّهْ}؛ أَيْ: لم يتغيَّرْ، ولم ينضُب في هذه المدةِ المتطاولةِ، فكان التين والعنب كأنه قد قطف من ساعته، والعصير كأنه عُصر مِنْ ساعتِه، واللبن كأنه قد حُلب من ساعته.
وقرأ ابن مسعود:{وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه}، وقرأ طلحة ابن مصرف {وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة}، وروي عن طلحة أيضًا أنه قرأ:{لم يَسَّنَّ} بإدغام التاء في السين، وحذف الهاء، وكل هذه القراءات شاذة عدا قراءة الجمهور. وقراءة الجمهور بإثبات الهاء في الوصل، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف في المتواتر بحذفها وصلًا فقط. والتَّسَنُّهُ: مأخوذ من السَّنَة؛ أي: لم تغيره السنون، أو المعنى على التشبيه؛ كأنه لم تمرَّ عليه المئة سنة لبقائه على حاله، وعدم تغيره، وإنْ شككت فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير بمرور الزمان، وكان معه عنب وتين وعصير، فوجدها على حالها لم تفسد. {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} كيف تقطعت أوصاله، وكيف تلوح عظامه بيضاء، فنظَرَ فإذا هو عظامٌ بِيضٌ، فركَّب الله تعالى العظامَ بعضَها على بعض، ثم كساها اللحم