{لَا تُطِعْهُ} يا محمد؛ أي: لا تطع ذلك الكافر الناهي لك عن الصلاة؛ أي: دم على ما أنت عليه من معاصاة ذلك الناهي الكاذب الخاطىء، كقوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)} و {وَاسْجُدْ} لربك؛ أي: وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به ولا مبال له. {وَاقْتَرِبْ}؛ أي: وتقرب بذلك السجود إلى ربك وابتغ المنزلة عنده.
وقال زيد بن أسلم: واسجد أنت يا محمد واقترب أنت يا أبا جهل من النار، والأول أولى.
وفي الحديث:"أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد، فأكثروا من الدعاء في السجود" وكلمة ما مصدرية، وأقرب مبتدأ حذف خبره، ويكون تامة؛ أي: أقرب وجود العبد من ربه حاصل وقت سجوده، وهذا السجود الظاهر أن المراد به الصلاة، وقيل: سجود التلاوة، ويدل على هذا ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من السجود عند تلاوة هذه الآية كما مر وسيأتي.
وهذه الآية: محل السجود عند الأئمة الثلاثة خلافًا لمالك، فإنه كان يسجد فيها في خاصية نفسه، وهم على أصولهم في قولهم بالوجوب والسنية، وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة عند الشافعي، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند قراءتها يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سجدنا مع رسول الله في: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)} أخرجه مسلم.
وللسجدة أقسام: سجدة الصلاة، وسجدة التلاوة، وسجدة السهو؛ وهذه مشهورة، وسجدة التعظيم لجلال الله وكبريائه، وسجدة التضرع إليه خوفًا وطمعًا، وسجدة الشكر له، وسجدة المناجاة، وهذه مستحبة في الأصح صادرة عن الملائكة، وعن رسول - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة واللام، وقال أبو حنيفة ومالك: سجود الشكر مكروه، فيقتصر على الحمد والشكر باللسان، وقال الإمامان: هي قربة يثاب فاعلها.