العين، فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف، وهو أبلغ من التصوير والتجسيد بالأسماء المتناسقة.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)}؛ حيث شبه الخيول العادية اللاتي تضرب بحوافرها الحجارة بالجماعة الذين يورون الزند، فالقدح استعارة لضرب الحجارة، من يقال: شبه الحرب بالنار المشتعلة وحذف المشبه وأبقى المشبه به، قال تعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)} حيث أسند الإغارة التي هي مباغتة العدو للنهب والقتل والأسر إلى الخيل وهي حال أهلها، إيذانًا بأنها العمدة في إغارتهم.
ومنها: تخصيص إثارة النقع بالصبح؛ لأنه لا يثور، ولا يظهر ثورانه بالليل، وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل، ولله در شأن التنزيل.
ومنها: التأكيد بـ {إن} واللام واسمية الجملة في قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)} وفي قوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)} وفي قوله: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)} لزيادة التقرير والبيان.
ومنها: الجناس المحرف في قوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} وهو الذي يكون الضبط فيه فارقًا بين الكلمتين أو بعضهما، وهو أيضًا ما اتفق ركناه في أعداد الحروف واختلفا في الحركات، سواء كانا من اسمين أو فعلين أو اسم وفعل أو من غير ذلك، والغاية فيه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} ولا يقال: إن اللفظين متحدان في المعنى فلا يكون بينهما تجانس؛ لأنا نقول: المراد بالأول: اسم الفاعل، وبالثاني: اسم المفعول، فالاختلاف ظاهر، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم كما حسنت خَلْقِي فحسن خُلُقي" ومنه قولهم: جُبة البُرد جُنة البرد.
ومنها: الجناس اللاحق في قوله: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)} وهو الذي أبدل في إحدى الكلمتين حرف واحد بغيره من غير مخرجه، وسواء كان الإبدال من الأول نحو قوله: تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)} أو في الوسط كهذه الآية التي نحن بصددها، أو في الآخر كقوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} ومن أمثلة الشعر على هذا الترتيب المذكور أيضًا قول أبي فراس: