الناس فيما بينهم ويتعاورونه يعتادون التسامح من أثاث البيت وغيره، كالدلو والقدر والإبريق والفأس والسكين والإبرة والخيط والخمير وبقايا الطعام والماء والملح والنار من الأشياء التافهة التي جرى عرف الناس بالتسامح بها فيما بينهم.
أي: يمنعون الناس ما لم تجر العادة بمنعه مما يسأله الغني والفقير، ويُنسب منعه إلى لؤم الطبع وسوء الخلق، وقال الطبري في "تفسيره": الماعون: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر، وما لا يُمنع كالماء والملح والنار والخيط والمخيط، نُقل هذا عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير، ثم قال: وروى أبو بصير عن أبي عبد الله قال: {الْمَاعُونَ} هو القرض تقرضه، والمعروف تصنعه، ومتاع البيت تعيره، قال: فقلت: إن لنا جيرانًا إذا أعرناهم متاعًا كسروه وأفسدوه، أفعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال: لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك، وقال الكلبي:{الْمَاعُونَ} المعروف كله، وقال علي وابن عمر وابن عباس أيضًا:{الْمَاعُونَ} هو الزكاة، ومنه قول الراعي:
يعني بالماعون الزكاة، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن، وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعونًا؛ لأنها قليل من كثير؛ لأنها ربع أو عشر، وقال عبد الله بن عمر منع الماعون هو منع الحق، وقال ابن عباس أيضًا: هو العارية، وقيل الماء والكلأ، قال أبو الليث: الماعون بلغة الحبشة المال، وفي "برهان القرآن" قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)}، ثم بعده {الَّذِينَ هُمْ} كرر ولم يقتصر على مرة واحدة؛ لامتناع عطف الفعل على الاسم، ولم يقل: الذين هم يمنعون؛ لأنه فعل، فحسن العطف على الفعل وهذه دقيقة. انتهى.
والمعنى: ويمنعون الزكاة، كما دل عليه ذكره عقيب الصلاة، أو ما يتعاور عادة، فإن عدم المبالاة باليتيم والمسكين حيث كان من عدم الاعتقاد بالجزاء موجب للذم والتوبيخ، فعدم المبالاة بالصلاة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإِسلام، وسوء المعاملة مع الخلق