أحق بذلك، ولم يُرَ من المتسمين بالإِسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه، والمراد بما يتعاوروه عادةً؛ أي: يتداوله الناس بالعارية، ويعين بعضهم بعضًا بإعارته هو مثل الفأس والقدر والدلو والإبرة والقصعة، والغربال والقدوم والمقدحة والنار، والماء والملح، ومن ذلك أن يلتمس جارك أن يخبز في تنورك، أو يضع متاعه عندك يومًا أو نصف يوم، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استُعيرت عن اضطرار، وقبحًا في المروءة في غير حال الضرورة، وفي هذه الآية زجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل، قال العلماء: يستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران، فيعيرهم ويتفضل عليهم، ولا يقتصر على الواجب اهـ "صاوي".
قال الإمام: وحاصل معنى هذه السورة؛ أي: فأولئك الذين يصَلُّون ولا يأتون من الأعمال إلا ما يُرى للناس مما لا يكلفهم بذل شيء من مالهم، ولا يخشون منه ضررًا يلحق بأبدانهم، أو نقصًا يلم بجاههم، ثم يمنعون ماعونهم، ولا ينهضون بباعث الرحمة إلى سد حاجة المعوزين، وتوفير ما يكفل راحتهم وأمنهم، وطمأنينتهم ولا تنفعهم صلاتهم، ولا تخرجهم عن حد المكذبين بالدين، لا فرق بين من وَسَموا أنفسهم بسِمَة الإِسلام أو غيره، فإن حكم الله واحد لا محاباة فيه للأسماء المنتحلة التي لا قيمة لها إلا بمعانيها الصحيحة المنطبقة على مراده تعالى من تحديد الأعمال وتقرير الشرائع.
فخاصة المصدق بالدين التي تميزه عمن سواه من المكذبين هو العدل والرحمة وبذل المعروف للناس وخاصة المكذب التي يمتاز بها عن المصدقين هي احتقار حقوق الضعفاء، وقلة الاهتمام بمن تلذعهم آلام الحاجة، وحب الأثرة بالمال، والتعزز بالقوة، ومنع المعروف عمن يستحق من الناس.
فهل للمسلمين الذين يزعمون أنهم آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به أن يقيسوا أحوالهم وما يجدونه من أنفسهم بما يتلون في هذه السورة الشريفة؛ ليعرفوا هل هم من قسم المصدقين أو المكذبين، وليقلعوا عن الغرور برسم هذه الصلاة التي لا أثر لها إلا في ظواهر أعضائهم، وبهذا الجوع في يسمونه صيامًا، ولا أثر له إلا في عبوس وجوههم وبذاذة ألسنتهم وضياع أوقاتهم في اللهو والبطالة، ويرجعوا إلى