حقوق الناس ويؤذيهم فسلوك الناس في الانتفاع بالنعم لا يدل على أنها هي في ذاتها شرٌّ، ولا كون حبها شرًّا مع القصد والاعتدال والوقوف عند حدود الشريعة. ثم أجاب عن هذا الاستفهام على نظير قولك: هل أدلك على تاجر عظيم في السوق يصدق في المعاملة، ويرخص السعر، ويفي بالوعد هو: فلان، فقال:{لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} هذه الجملة مستأنفة لبيان ما هو خير؛ أي: للذين اجتنبوا الشرك والمعاصي والشهوات النفسانية، وتبتلوا إلى طاعة الله، وأعرضوا عما سواها .. فلا تشغلهم الزينة عن طاعة الله تعالى، بساتينُ مؤبدة، وحدائق منضدة حالة كونها مدخرة لهم عند ربهم. وقرأ يعقوب:{جناتٍ} بالجر بدلًا من قوله: {بِخَيْرٍ}. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}؛ أي: تسيل وتطرد من تحت أشجارها ومساكنها أنهار الخمر والعسل واللبن والماء حالة كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها {و} لهم فيها {أزواج مطهرة}؛ أي: زوجات منظفة مهذبة من الحيض والنفاس والبصاق والمني وتشويه الخلقة وسوء العشرة والأخلاق الذميمة وسائر ما يستقذر لا يغوطن ولا يتبولن ولا يحضن ولا ينفسن ولا يعتريهن ما يعتري نساء الدنيا {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ}؛ أي: ولهم فيها رضا ربهم أكبر ما فيهم، فيه من النعيم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". متفق عليه.
وقيل: إن العبد إذا علم أن الله تعالى قد رضي عنه .. كان أتم لسروره وأعظم لفرحه.
وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ