المعطي (١) وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذه الأمة؛ لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن، الذي جمع الله فيه محاسن مَن كان قبله، وخصه بخصائص لم يعطها نبيًّا من الأنبياء ولا رسولًا من الرسل، في العلم بالله، وشريعته، وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع. فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار.
واعلم: أن للعزة آثارًا وللذل مثلها؛ فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكًا للقلوب بجاهه أو علمه، النافع للناس مع بسطة في الرزق، وإحسان إلى الخلق.
والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من الاجتماع والاتفاق والتعاون على نشر دعوة الحق، ومقاومة الباطل، إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة، واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، ولكن لم يغنِ ذلك عنهم شيئًا كما قال تعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} الآية.
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الأرمية في شرق إفريقيا، على كثرة عدد كل شعب منها كيف استأمرها، وتحكم فيها ملوك الحبشة، على قلة عددهم. وما ذلك إلا لفشو الجهل، وتفرق الكلمة، والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته،