وقرأ مجاهد (١): {فتقبلْها} بإسكان اللام على صيغة الأمر والدعاء، ونصب {ربَّها} على أنَّه منادى مضاف، وقرأ أيضًا:{وأنبتْها} بإسكان التاء، {وكفِّلْها} بتشديد الفاء المكسورة، وإسكان اللام، ونصب {زكرياء} مع المد وذلك كله شذوذًا. وقرأ حفص وحمزة والكسائي:{زَكَرِيَّا} بغير مدِّ، ومده الباقون مع الهمز هكذا {زكرياء}.
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} وهو من ذرية سليمان بن داود؛ أي: في أي وقت دخل عليها زكريا المحراب والغرفة التي بنى لها في المسجد {وَجَدَ عَندَهَا}؛ أي: رأى عند مريم {رِزْقًا}؛ أي: نوعًا من أنواع الطعام غير الذي رآه في المرة الأولى، أو فاكهة في غير وقتها المعتاد. روي أنه كان لا يدخل عليها غيره، وإذا خرج .. أغلق عليها سبعة أبواب، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف؛ مثل القصب، وفاكهة الصيف في الشتاء؛ مثل العنب، ولم ترضع ثديًا قط، بل يأتيها رزقها من الجنة.
وليس لدينا مستند صحيح من كتاب أو سنة يؤيد هذه الروايات الإسرائيلية.
{قَالَ} زكريا {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} الرزق؛ أي: من أين لك هذا الرزق الآتي في غير حينه، الذي لا يشبه أرزاق الدنيا والأبواب مغلقة عليك؟ {قَالَتْ} مريم {هُوَ}؛ أي: هذا الرزق {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى الذي يرزق الناس جميعًا، أتاني به جبريل من الجنة {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: بغير تقدير لكثرته، أو من غير استحقاف تفضلًا منه، أو من غير مسألة في حينه وفي غير حينه، وهذا يحتمل أن يكون من تمام كلام مريم، أو ابتداء كلام من الله عز وجلّ: فلما رأى زكريا ما أوتيت مريم من فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف .. قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير وقتها وحينها من غير سبب لقادرٌ على أن يصلح زوجي، ويهب