نحمدك يا فارق الفرقان، ومنزل القرآن بالحكمة والبيان، على عبده محمد صلّى الله عليه وسلّم ليكون للعالمين نذيرا، ولطريق الحق سراجا منيرا، كتابا كافلا ببيان الأحكام، متوشّحا ببيان الحلال من الحرام، قاطعا للخصام، شافيا لصنوف السقام، مرهما مجربا لكل الأوهام، العروة الوثقى لمن تمسك بها، والجادة الواضحة لمن سلكها، فأي كلام يستحق من التعظيم، ما يستحقه كلام الرب الحكيم، كتاب أعجز الفصحاء، وأفحم عن دركه البلغاء، فإن فصاحتهم وإن طالت ذيولها، وبلاغتهم وإن سالت سيولها، فإنها تتقاصر عن درك أوصافه، وبلوغ أدنى أطرافه، فالاعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقّه من التقدير والإعظام، أولى وأحرى لجميع الأنام، وأوفق بما يقتضيه الحال والمقام، وكيف لا، فإنه كلام من لا تدركه الأوهام، ولا تحيط بوصفه الأفهام.
ولقد صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: فيما أخرجه الترمذي، وحسّنه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه» فإنه كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أمر فيه وزجر، وبشر فيه وأنذر، ذكر فيه المواعظ لمن يتذكر، وضرب الأمثال لمن يتدبر، وقص فيه القصص لمن يعتبر، وذكر فيه دلائل التوحيد لمن يتفكر، ثم لم يرض منا بسرد حروفه، بدون حفظ حدوده، ولا بتجويد كلماته،