أربابًا، كما اتخذت الصابئة وقريش الملائكة، واليهود عزيرًا، والنصارى المسيح {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ}؛ أي: كيف يأمركم ذلك البشر أو الله بالكفر {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}؛ أي: لا يأمركم، بل يأمركم بالإِسلام، والهمزة فيه للاستفهام التعجبي؛ لأنه خطاب للمؤمنين على طريق التعجب من حال غيرهم.
وإنَّما خص (١) الملائكة والنبيين بالذكر؛ لأنَّ الذين وصفوا بعبادة غير الله عَزَّ وَجَلَّ من أهل الكتاب، لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة، وعبادة المسيح، وعزير، فلهذا المعنى خصهم بالذكر.
والمعنى: أيأمركم بعبادة الملائكة، والسجود للأنبياء بعد توحيدكم لله، والإخلاص له إذ لو فعل ذلك لكفر، ونزعت منه النبوة والإيمان، ومن آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة يكون أعلم الناس باللهِ، فإنَّ الله لا يؤتي وحيه إلا نفوسًا طاهرة، وأرواحًا طيبة، فلا تجتمع نبوة ودعاء إلى عبادة غير الله.
وأُثِرَ عن علي رضي الله عنه أنَّه قال: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك؛ لأنَّ العالم ينفِّر الناس عن العلم بتهتكه، والجاهل يرغب الناس في الجهل بتنسكه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع".
{وَمِنْ} الواو استئنافية {من أهل الكتاب}: جار ومجرور، ومضاف إليه خبر مقدم من اسم موصول، أو: نكرة موصوفة، في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب {إن} حرف شرط {تأْمَنْهُ}: فعل ومفعول مجزوم بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على المخاطب. {بِقِنْطَارٍ} جار ومجرور متعلق بـ {تأمن}