للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أنَّ حِلَّ مكة وما يتبعُها من أرباضها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نار أمر زائد على أمن البيت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستحل البيت ساعة، وما دونها، بل كان مناديه ينادي: من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره وأغلق باب بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

وقد أخبر أبو سفيان النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد بن عبادة الأنصاري حامل اللواء له في الطريق: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كذب سعد، هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة".

وما فعله الحجاج عن رمي البيت بالمنجنيق فهو فعل السياسة التي قد تحمل صاحبها على مخالفة ما يعتقد حرمته، ويقع به في الظلم والإلحاد؛ إذ هو وجنده لم يكونوا معتقدين حلَّ ما فعلوا.

{وللَّهِ}؛ واجب {عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}؛ أي: قصد البيت للعبادة المخصوصة المعروفة {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}؛ أي: على من أطاق، وقدر إلى حج البيت سبيلًا؛ أي: طريقًا وبلاغًا إليه بوجود الراحلة، والزاد، والنفقة للعيال إلى الرجوع، لأنه - صلى الله عليه وسلم -: فسَّره بالزاد والراحلة، رواه الحاكم وغيره. وكذا أمن الطريق. والحج أحد أركان الإسلام.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". متفق عليه. فعد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحج من أركان الإسلام الخمسة.

والمعنى: أنه يجب الحج على المستطيع من هذه الأمة، وفي هذا تعظيم للبيت أيما تعظيم، وما زال الناس من عهد إبراهيم إلى عهد محمد صلوات الله عليهما يحجون عملًا بسنة إبراهيم، جروا على هذا جيلًا بعد جيل، لم يمنعهم من ذلك شركهم، ولا عبادتهم للأوثان والأصنام، فهي آية متواترة على نسبة هذا البيت إلى إبراهيم.