واستطاعة السبيل إلى الشيء إمكان الوصول إليه، كما قال تعالى:{فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} وتختلف الاستطاعة باختلاف الأشخاص، واختلاف البعد عن البيت والقرب منه، وكل مكلف أدرى بنفسه في ذلك. وقد اختلف في تفسيرها، فقال بعضهم إنها القدرة على الزاد والراحلة مع أمن الطريق. وقال بعضهم: إنها صحة البدن، والقدرة على المشي. وقال آخرون: هي صحة البدن، وزوال الخوف من عدو أو سبع مع القدرة على المال الذي يشتري منه الزاد والراحلة وقضاء جميع الديون، والودائع، ودفع النفقة التي تكفي لمن تجب عليه نفقته حتى العودة من الحج.
وخلاصة ذلك: أنَّ هذا الإيجاب مشروط بالاستطاعة، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان.
{وَمَنْ كَفَرَ}: أي: ومن جحد، وأنكر كون هذا البيت أول بيت وضعه الله للعبادة، وأنكر ما فرضه الله من حجه، والتوجه إليه بالعبادة {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {غَنِيٌّ}؛ أي: مستغنٍ {عَنِ} إيمانه وإيمان جميع {الْعَالَمِينَ} والخلق، وعن حجهم وعبادتهم.
وفسر بعضهم الكفر بترك الحج، وعبر عنه بالكفر تأكيدًا لوجوبه وتغليظًا على تاركه، والمعنى حينئذٍ: ومن لم يحج مع استطاعته .. فإن الله غني عن حجه، وحج العالمين كلِّهم. قال الضحاك: لما نزلت آية الحج جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الأديان الستة: المسلمين والنصارى، واليهود، والصابئين، والمجوس، والمشركين، فخطبهم، وقال:"إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا، فآمن به المسلمون، وكفرت به الملل الخمس، وقالوا: لا نؤمن به، ولا نصلي إليه، ولا نحجه، فأنزل الله تعالى قوله:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}؛ أي: ومن ترك اعتقاد وجوب الحج .. فإن الله غني عنه.
فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مات ولم يحج .. فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا".
وروي عن عليٍّ كرم الله وجهه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة له: "أيها الناس،