إن الله فرض الحج على من استطاع إليه سبيلًا، ومن لم يفعل .. فليمت على أي حال شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا".
وأثر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار، فلينظروا كل من كان له جدة - سعةٌ - ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. ولهذه الأدلة قال كثير من الفقهاء: إن الحج واجب على الفور، وقال آخرون: إنه واجب على التراخي. وهذه الجملة تأكيد لما سبق من الوجوب، فإنه بدأ الآية بأن قال:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}. فأفاد أنَّ ذلك ما كان لجر نفع، ولا لدفع ضر، بل كان لعزة الإلهية ولكبرياء الربوبية. وختمها بهذه الجملة المؤكدة لذلك لبيان أنَّ فاعل ذلك مستأهل للنعمة برضا الله عنه، وأن تاركه يسخط عليه سخطًا عظيمًا.
وحسب البيت شرفًا وفضلًا أنه حرم آمن ومثابة للناس ومبارك وهدى للعالمين، وما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرمته وفضله من أنه لا يسفك فيه دم، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه - لا يقطع نباته - وأنَّ قصده مكفر للذنوب ماح للخطايا، وأن العبادة التي تؤدى فيه لا تؤدى في غيره، وأن استلام الحجر الأسود، فيه رمز إلى مبايعة الله تعالى على إقامة دينه، والإخلاص له وأن الصلاة فيه بمائة ألف ضعف في غيره. وكتب الأحاديث والسيرة مليئة ببيان فضله ومشيدة بذكره.
فصل في ذكر الأحاديث الواردة في فضل البيت وفضل الحج والعمرة
عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول بيت وضع للناس مباركًا يصلى فيه: الكعبة، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا". متفق عليه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن - صلى الله عليه وسلم - وإنما سودته خطايا بني آدم".