للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "القرآن حبل الله المتين، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، من قال به صدق، ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم". {وَلَا تَفَرَّقُوا}؛ أي: لا تتفرقوا، ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم من اليهود والنصارى، أو لا تتفرقوا تفرقكم الجاهلي يحارب بعضكم بعضًا، ويقتل بعضكم بعضًا، وقيل: معناه لا تحدثوا بينكم ما يكون عنه التفرق، ويزول معه الاجتماع، والألفة التي أنتم عليها كالعصبية، والجنسية، ففيه النهي عن التفرق والاختلاف، والأمر بالاتفاق، والاجتماع؛ لأن الحق لا يكون إلا واحدًا، وما عداه يكون جهلًا وضلالًا، وإذا كان كذلك .. وجب النهي عن الاختلاف في الدين، وعن الفرقة؛ لأن كل ذلك كان عادة أهل الجاهلية فنهوا عنه.

وبالجملة فحبل الله في هذه الآية هو صراطه المستقيم، كما أن أنواع التفرق هي السبل التي نهي عنها فيها، ومن السبل المفرقة في الدين إحداث الشيع، والفرق كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.

ومنها: العصبية الجنسية كما بين الأوس والخزرج، وقد روى أبو داود عن مطعم بن جبير "ليس منا من دعا إلى عصبية". وقد سار على هذا النهج أهل أوربا في العصر الحديث، فاعتصموا بالعصبية الجنسية كما كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، وسرى ذلك إلى بعض البلاد الإِسلامية، بل عم جميعها، وفشا فيها، فحاول أهلها أن يجعلوا في المسلمين جنسيات وطنية، ومفاخرات عصبية.

وكانت كل دولة تتفاخر بجنسيتها ظنًّا منهم أن ذلك مما ينهض بالوطن، ويزيدهم شرفًا، وليس الأمر كما يظنون، فإن الوطن لا يرقى إلا باتحاد كل المقيمين فيه لإحيائه، لا في تفرقهم وعصبيتهم، فإن ذلك مما يورث الشحناء والبغضاء بينهم، خصوصًا، التقدم بالجنسية والعصبية في التعليم والتدريس والإفتاء، بل التقدم في ذلك بالعلم والتقوى، وما لهم في ذلك سند إلا الاقتداء