منها: التبكيت والتوبيخ، حيث أمرهم بالإتيان بالتوراة للدلالة على كمالِ القبح.
ومنها: الهزء في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ لأنه خرج مخرج الممكن وهو معلوم كذبهم، وذلك على سبيل الهزء بهم كقولك: إن كنت شجاعًا فالقني، ومعلوم عندك أنه ليس بشجاع، ولكن هزأت به؛ إذ جعلت هذا الوصف مما يمكن أن يتصف به.
ومنها: التفخيم في قوله: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} حيث حذف الموصوف، وذكر الصفة؛ لأن أصل الكلام للبيت الذي ببكة. ومنها: التأكيد والتشديد في قوله: {وَمَنْ كَفَرَ} حيث وضع هذا اللفظ موضع، ومن لم يحج تأكيدا لوجوبه، وتشديدًا على تاركه. قال أبو السعود: ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات ما لا مزيد عليه، وهي قوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق، وأبرزت في صورة الجملة الإسمية الدالة على الثبات والاستمرار على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه وتعالى في ذمم الناس، وسلك بهم مسلك التعميم، ثم التخصيص والإبهام، ثم التبيين والإجمال، ثم التفصيل.
وقال أبو حيان (١): وذكروا في هذه الآيات من فنون البلاغة والفصاحة:
منها: الاستفهام الذي يراد به الإنكار في قوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ}{لِمَ تَصُدُّونَ}{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ}.
ومنها: التكرار في قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}، وفي اسم الله في مواضع، وفي ما يعملون.
ومنها: الطباق في الإيمان والكفر، وفي الهداية والكفر، إذ هو ضلال، وفي العوج والاستقامة، والتجوز بإطلاق اسم الجمع في قوله:{فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فقيل: هو يهودي غير معين، وقيل: هو شاس بن قيس وإطلاق العموم