الشيء، وسميت بكة؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة، وبكها لأعناقهم كناية عن إهلاكهم، وإذلالهم ويقال: بك القوم إذا ازدحموا؛ لأنهم يزدحمون فيها في الطواف. وأما تسميتها مكة فقيل: سميت بذلك؛ لأنها قليلة الماء تقول العرب: مك الفصيل ضرع أمه، وأمكه إذا امتص كل ما فيه من اللبن. وقيل: لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة، ومنه مككت العظم، إذا أخرجت ما فيه، وقيل: سميت بذلك؛ لأنها تمك من ظلم فيها؛ أي: تهلكه. وقد اختلف في الباني له في الابتداء، فقيل: الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: إبراهيم، ويجمع بين ذلك؛ بأن أول من بناه الملائكة ثم جدده آدم ثم إبراهيم.
{تَبْغُونَهَا عِوَجًا} والعوج - بكسر أوله وفتحه -: الميل، ولكن العرب فرقوا بينهما، فخصوا المكسور بالمعاني، والمفتوح بالأعيان، تقول: في دينه وكلامه عوج بالكسر، وفي الجدار عوج بالفتح. قال أبو عبيدة العوج بالكسر الميل في الدين، والكلام والعمل، وبالفتح في الحائط والجذع. وقال أبو إسحاق بالكسر فيما لا ترى له شخصًا، وبالفتح فيما له شخص، وقال صاحب المجمل: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط، وبالكسر ما كان في بساط أو دين أو أرض أو معاشٍ، فقد فرق بينهما بغير ما تقدم، يقال: عوج من باب: طرب فهو أعوج، والاسم: العوج كما ذكره في "المختار". {حَقَّ تُقَاتِهِ} هو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها كما تقول: ضربت زيدًا شديد الضرب أي؛ الضرب الشديد فكذلك ما هنا، والتقدير: اتقو الله الإتقاء الحق؛ أي: الواجب الثابت. {شَفَا حُفْرَةٍ} في "المصباح"، وشفا كل شيء حرفه، مثل النوى، وفي "السمين": الشفا: طرف الشيء، وحرفه، وهو مقصور من ذوات الواو يثنى بالواو نحو شفوان، ويكتب بالألف، ويجمع على أشفاء، ويستعمل مضافًا إلى أعلى الشيء، وإلى أسفله، فمن الأول {شَفَا جُرُفٍ} ومن الثاني هذه الآية، وأشفى على كذا إذا قاربه، ومنه أشفى المريض على الموت.
البلاغة
وذكروا في هذه الآيات من فنون البلاغة والفصاحة أنواعًا: