وجعل ظهره إلى الجبل، وكان عدة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع مئة فيهم مئة دارع، ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين، وكان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع مصعب بن عمير، وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل، ولواؤهم مع بني عبد الدار. ولما التقى الجمعان قامت هند زوج أبي سفيان، ومعها النسوة يضربن بالدفوف وهي تقول:
وقاتل حمزة قتالًا شديدًا. ولما قتل مصعب بن عمير أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية لعليّ بن أبي طالب. ولما انهزم المشركون طمعت الرماة في الغنيمة، وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بملازمته. فأتى خالد بن الوليد مع خيل المشركين من خلف المسلمين، ووقع الصراخ أن محمدًا قد قتل، وانكشف المسلمون، وأصاب العدو منهم. وكان يوم البلاء على المسلمين، وكان عدة الشهداء من المسلمين سبعين رجلًا وعدة قتلى المشركين اثنين وعشرين رجلًا. ووصل العدو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصابته حجارتهم حتى وقع، وأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته وجعل الدم يسيل على وجهه وهو يقول:"كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم". وجعل يدعوهم إلى ربهم فنزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)}.
ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشجة، ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من وجهه - صلى الله عليه وسلم - فسقطت ثنية من ثنياته، ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته، وطمع فيه المشركون، وأدركوه يريدون منه ما الله عاصمه منه كما قال:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وأصابت طلحة يومئذٍ ضربة شديدة شلت يده منها، وهو يدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومثلت هند وصواحبها بالقتلى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجدعن الأنوف، وصلمن الآذان، واتخذن منها قلائد، وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها ولم تستسغها وضرب أبو سفيان شدق حمزة بزج الرمح، وصعد الجبل، وصرخ