للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واحدًا .. لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة، فإذا كان عرضها كذلك فكيف بطولها؛ لأن الغالب أنَّ الطول يكون أكثر من العرض. وإنما مثل عرض الجنة بعرض السموات والأرض؛ لأنهما أوسع مخلوقات الله تعالى فيما يعلمه الناس، وإنما جمعت السموات وأفردت الأرض؛ لأن السموات أنواع قيل: بعضها فضة وبعضها غير ذلك، والأرض نوع واحد.

وقال أبو مسلم (١): إن العرض هنا ما يعرض من الثمن في مقابلة المبيع؛ أي: ثمنها، لو بيعت كثمن السموات والأرض، والمراد بذلك عظم مقدارها وجلالة خطرها، وإنه لا يساويها شيء وإن عظم {أُعِدَّتْ}؛ أي: هيئت تلك الجنة {لِلْمُتَّقِينَ} الشرك، والمعاصي بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات. وفي الآية دليلٌ على أن الجنة مخلوقةٌ الآن، وأنها خارجةٌ عن هذا العالم؛ إذ أنها تدل على أن الجنة أعظم، فلا يمكن أن يكون محيطًا بها.

ويدل على (٢) ذلك حديث رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو الحديث الطويل الذي فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - إن جبريل وميكائيل قالا له: "ارفع رأسك فرفع، فإذا فوقه مثل السحاب، قالا: هذا منزلك قال: فقلت دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقي لك عمرٌ لم تستكمله، فلو استكملت .. أتيت منزلك".

والأدلة الدالة على أنها مخلوقةٌ من الكتاب والسنة كثيرةٌ شائعة خلافًا للمعتزلة.

وخلاصة (٣) المعنى: أي وبادروا إلى العمل لما يوصلكم إلى مغفرة ربكم، ويدخلكم جنةً واسعة المدى، أعدها الله تعالى لمن اتقاه، امتثل أوامره، وترك نواهيه فاعملوا الخيرات، وتوبوا عن المعاصي والآثام كالربا مثلًا، وتصدقوا على ذوي البؤس والفاقة.


(١) المراغي.
(٢) التحرير والتنوير في علم التفسير.
(٣) المراغي.