للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للباقين بعدهم على زيادة الطاعة، والجد في الجهاد، والرغبة في نيل منازل الشهداء، وإصابة فضلهم كما فيه إخمادٌ لحال من يرى نفسه في خير، فيتمنى مثله لإخوانه، في الدين، وفيه بشرى للمؤمنين بالفوز بالمآب.

وقوله: {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} بدلٌ من {الَّذِينَ}؛ أي: يستبشرون بعدم الخوف، والحزن على إخوانهم الذين تركوهم أحياءً، وأنهم عند قتلهم يفوزون بحياة أبدية، لا يكدرها خوفٌ من وقوع مكروه من أحوالها، ولا حزنٌ من فوات محبوب من نعيمها.

والمعنى (١): يستبشرون بأن لا خوف من المتخلِّفين على أنفسهم، فهم آمنون، ولا هم يحزنون، فهم فرحون هذا ما أدركه لهم إخوانهم المتقدمون، وليس المراد أنهم؛ أي: المتقدمين لا يخافون على المتخلِّفين كما هو ظاهر.

والحاصل (٢): أن الشهداء المتقدمين: يقول بعضهم لبعض: تركنا إخواننا فلانًا وفلانًا في صف المقاتلة مع الكفار، فيقتلون إن شاء الله، فيصيبون من الرزق والكرامة ما أصبنا؛ أي: يفرحون بحسن حال إخوانهم الذين تركوهم في الدنيا، بدوام انتفاء الخوف والحزن، وبلحوقهم بهم؛ لأن الله تعالى بشَّرهم بذلك.

والخوف: غم (٣) يلحق الإنسان بما يتوقعه من السوء، والحزن غمٌّ يلحقه من فوات نافع، وحصول ضار، فمن كانت أعماله مشكورةٌ .. فلا يخاف العاقبة، ومن كان متقلِّبًا في نعمة من الله، وفضل .. فلا يحزن أبدًا.

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} لمَّا (٤) بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ الشهداء يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ذكر أنهم أيضًا يستبشرون لأنفسهم بما رزقوا من النعيم والفضل، فالاستبشار الأول كان لغيرهم، والاستبشار الثاني


(١) الجمل.
(٢) مراح.
(٣) كرخي.
(٤) الخازن.